الاثنين، 29 يوليو 2013

لعنة الزواج المحرم !

عبدالعزيز المجيدي

لن يستطيع اليمنيون الولوج إلى مرحلة جديدة، مناهضة قيميا وسياسيا لعهد صالح المريع، دون الشروع في مواجهة حقيقة مع الفساد الكبير، بدءا من أهم أركانه : الزواج المحرم بين السلطة والتجارة.  

حتى اللحظة لا تهتم النخب السياسية ولا من يطلقون على أنفسهم بالقوى " الثورية " بهذا البعد الخطير، وغدا الأمر جزءا " طبيعيا " من تفاصيل واقع سيئ يتعايش الناس معه ببساطة، بما في ذلك الطرف الأكثر تضررا منه، وهو الرأسمال الوطني المكافح والقطاع الخاص النزيه .
المشكلة بالطبع ليست وليدة ممارسة طارئة. فبعد الإطباق على السلطة من كل صوب، عبر فساد ممنهج، كان حلم صالح وحلفائه، الهيمنة على قطاع التجارة كمجال نافذ ومؤثر للسيطرة على البلد وشريانه الاقتصادي تحديدا. خلال تلك الفترة تشكلت شبكة واسعة من المصالح للوبيات السلطة، وأطلت حقبة  رأس مال، طفيلي، نشأ على المال العام وتغذى على امتيازات السلطة غير المشروعة، وكان جزءا من مقاصده، محاصرة رأس المال الوطني والبيوت التجارية  أو ما يمكن تسميته بالبرجوازية الوطنية، التي كافحت عبر عقود وهي تراكم رأسمال ساهم بشكل لا يستهان به في الدورة الاقتصادية للبلد.

هذا القطاع ساهم في توليد فرص العمل، وخلق نشاط اقتصادي، كان يمكن أن يكون رافدا أساسيا للبلد لو وجد البيئة المناسبة. تمكنت سلطة صالح من الإمساك الغليظ بأدوات القوة، وكانت تلك مقدمة "طبيعية" لاقتحام مجال التجارة وعالم الثراء السريع بلا متاعب، بالتزامن مع وضع اليد على الثروات والموارد الطبيعية للبلاد.

في الطور الأول بدأت الحكاية تأخذ صيغة الإتاوات المفروضة على المستثمرين ورؤوس الأموال الوطنية، وفرض "أسهم " بواسطة القوة، وتاليا شاهدنا أكبر عملية فساد وقح أخذ شكل اللصوصية، عندما فرضت شراكات " الحماية " لكبار النافذين والقادة العسكريين والمشايخ .
كل ذلك أغرى هذه القوى على اجتياح التجارة من أسهل أبوابها وأقلها كلفة : النشاط المباشر من خلال الاستحواذ على الوكالات التجارية باستخدام كل الوسائل غير المشروعة، وإنشاء الشركات، والسيطرة على القسم الأكبر من المقاولات والإنشاءات الحكومية، وقطاع الخدمات النفطية. في الواقع كان المسئولون و وكبار القادة العسكريين والمشائخ وأبناءهم، في هذه المرحلة الأخيرة، يزاولون تلك الأعمال أو ينشطون  فيها بأسمائهم  الصريحة – رغم تحريم الدستور وبعض القوانين الجمع بين المسؤولية والتجارة - دون الحاجة إلى فرض شراكات من الباطن. يعكس هذا السلوك، المستوى الفادح لممارسة الفساد البجح بأسوأ صوره دون اكتراث باليمنيين ودولتهم المدهوسة.
مع هذا السلوك المعزز بقوة النفوذ والسلطة، تفشت شركات " الاستثمار والتجارة " المملوكة لهذا النوع من " اللصوص " في مختلف القطاعات، وشاهدنا بالأخص شركات تعهدات ومقاولات تتبع هؤلاء، ليس لها وجود غير الاسم،  تستأجر معدات الدولة، أو تفوض شركات أخرى من الباطن، تحصل على عشرات المشاريع الحكومية بالتكليف المباشر، وتُقسم من مركز الفساد نفسه على  شريحة " رجال الأعمال " الطارئين، وتتقاضى أموالا طائلة، تمثل أضعافا مضاعفة لقيمة هذه المشاريع عما هي عليها في الحقيقة، وبأردأ المواصفات وأتعسها.لقد كان ها النشاط واحدا من أهم الأسباب الطاردة للاستثمارات المحلية والخارجية. فوق ذلك كانت خزانة الدولة تخسر مئات المليارات من الريالات، فنشاط هؤلاء، لا يعتمد على القانون، بل على قوة التغلب والهيمنة، فلا ضرائب ولا جمارك، بل إن كثير من مؤسسات القطاع العام وبعض المرافق، خصوصا في الجنوب، سقطت ضمن أسلابهم، فكان البلد يخسر على الدوام، بينما يخسر اليمنيون فرص ازدهار، وتنمية، والكثير من الكرامة .
الآن، لا ينبغي فحسب التشدد في صياغة مواد دستورية وقانونية مجرمة لهذا النشاط، بل يتوجب أن تشرع الحكومة أولا، في إلغاء كل تعاقدات هذه الشركات، ورفع يدها عن القطاعات الاقتصادية التي وقعت في قبضتها، وعلى اليمنيين بكل تكويناتهم، ومشاربهم، التنبه لهذه المشكلة الفتاكة، في حين يتوجب على القطاع الخاص المحترم والنزيه، أن يغادر مخاوفه ويتحلى بالشجاعة ليكون جزءا من حملة وطنية واسعة لوضع حد لهذه القوى الطفيلية. هؤلاء لن يكون تأثير نهجهم المدمر على البسطاء والاقتصاد الوطني فحسب،بل إن  ما تبقى من أنشطة وفرص للرساميل الوطنية – إن تُرك لهذه القوى الطفيلية العبث بنفس الطريقة -  ستتلاشى وستجد هذه القوة الاقتصادية المثابرة نفسها عاجزة عن البقاء في المشهد!يعتبر الفيلسوف العربي، واضع لبنات علم الاجتماع الحديث، ابن خلدون، في مقدمته الشهيرة، جمع "السلطان" بين التجارة والحكم، واحدا من أسباب هلاك وزوال الدولة. إن اليمنيين يواجهون أقسى تحدي في تأريخهم في هذه المرحلة على مستويات عدة، وعليهم أن يقرروا، ما إذا كانوا يريدون لبلدهم، النماء والنهوض، أو الاستمرار في الخضوع وتسليم الفرص لقاهريهم، واستدرار عطف العالم.          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق