الأحد، 25 يناير 2015

سيرك دولي في اليمن

عبدالعزيز المجيدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا اليمن العجيب، غدا أضحوكة، ومسرح تجريب لسياسات دولية منذ ما يسمى المبادرة الخليجية.ثمة عروض بهلوانية سخيفة أصبح المجتمع الدولي نفسه يمارسها بصورة فاضحة، ساخرا من اليمنيين كما لو كانوا جمعا من القردة . بواسطة القوة الناعمة، تحركت أمريكا،والخليج، بسرعة رهيبة، بالتزامن مع تزويد علي صالح بالأسلحة لقمع الثورة الشعبية في 2011 . 

تلاعبوا بسذج يديرون الأحزاب السياسية، كجمع من القطيع ،عليها أن تصغي وحسب لما يرونه صوابا طوال الوقت، ولا يعتبرون!

عندما كانت الثورة في ذروتها للخلاص من هيمنة نظام فاسد، كانت جاهزية هذه القيادات عالية لوضع العصا في دولاب الثورة.

وبينما كان يتوجب عليهم أن يكونوا في الصفوف الأمامية، من أجلهم وليس من اجلنا، للتطهر من موبقات وخطايا مارسوها بحق اليمنيين، وضعوا آذانهم ورؤوسهم على أعتاب السفارات لتلقي تعاليم العم سام وجماعة " ابو بعير".

 صرخت أمريكا وحلفاءها في المنطقة: يجب أن تتوقف الثورة، لأنها تضع البلاد على طريق الحرب الأهلية.

إنها العبارة التي تلقفها التلاميذ الخائبين وراحوا يبثون الهزيمة في صفوف الثورة الشابة التي جرى السيطرة عليها من الداخل وفتح مسار التفافي أفضى إلى هذه الكارثة الآن . 

اليوم يجلسون مع الإنقلابيين وجها لوجه لشرعنة خطوتهم المدمرة.

أما أمريكا التي تبجحت بتصريحات حادة في خضم الثورة، تلتقم الآن حجرا، وتمارس مواء قطط ، حيال واحدة من أهم الفضائح السياسية للدبلوماسية الامريكية. فبينما يمضي الانقلابيون في صنعاء في إزاحة رئيس جنوبي منتخب بإرادة توافقية، تتخلى واشنطن ببساطة عن المبادرة التي جاءت بالرئيس، وراحت تتحدث عن" انتقال سلمي لمؤسسات شرعية " وتلعب دور محلل سياسي يفترض أن يكتب افتتاحية للواشنطن بوست مثلا !

 لا أحد بالطبع كان يراهن على واشنطن في تخليص اليمن من مشاكله، لكن السذج أو الأدوات البليدة، ربما اعتقدت طوال الفترة الماضية أن أمريكا لن تتخلى عن خطتها ووعودها، وستقاتل من اجل مقررات الشرعية الدولية! 

هذه القوة العظمى تثبت على الدوام، أنها تفعل ما يحلو لها، غير مكترثة بالمسميات الديمقراطية المزعومة، ويمكن أن تلعب دور مهرج سخيف على حبال السياسة المتقلبة. 

نهاية ديسمبر 2011، كان الشباب يسطرون بأقدامهم، واحدة من أكثر الملاحم التي ابهرت العالم، فانخرطوا في مسيرة "الحياة" التي حملت السلام إلى رئة صنعاء المعطلة، لكن سفير واشنطن قفز، بحماسة ليصب غضبه على الشباب والمسيرة التي زعم انها مسلحة، بينما استغرقت ،بلده، اسبوعا كاملا للتعليق على الاقتحام المسلح للعاصمة وإدارة انقلاب على الرئيس الشرعي في 21 سبتمبر 2014! . 

ما هو أسوأ أن الامم المتحدة التي تشبه حديقة خلفية للسياسات الأمريكية، كانت ترعى بواسطة احد بهلواناتها، جمال بن عمر، الانقلاب ويتم توقيع " السلم والشراكة " في مفارقة تحتاج الأمم المتحدة وقتا طويلا لتفسيرها !

استخدمت امريكا كل وسائلها، لإبقاء صالح كفاعل في المشهد، بالتنسيق مع حلفاءها الخليجيين، وقد مارست ضغوطا شديدة للإسراع في " تحصينه" بقانون، ومطلع 2012 قال مساعد اوباما لشؤون مكافحة الإرهاب إن من حق صالح ممارسة السياسة والترشح لانتخابات! 

بالطبع، ما كان للمسألة أن تمر لولا حفنة من السياسيين الرديئين والفاسدين الذين منحوا أنفسهم حق التصرف بمصير بلد، ولاذوا لاحقا بالصمت وعادوا إلى جحورهم غير مكترثين !

عوض الحديث عن انقلاب مسلح ورفض التعامل مع ما يترتب عنه، راح العالم بما في ذلك أمريكا، ضمن أفكار تجريبية جديدة على مسرح السياسة الدولية، يلوكون قصة استقالة رئيس، واجه حملة مسلحة وعسكرية للإطاحة به وصلت إلى منزله، بتواطوء قيادات عسكرية لا تملك قدرا من الشرف العسكري أو ذرة من وطنية.

الواضح أن أمريكا ذهبت أبعد من تأمين وضع مميز لـ"صالح". فمع بقاء الجيش الذي بني على أسس عشائرية وغير وطنية، على طبيعته، كإقطاعيات لمراكز نفوذ وولاءات عصبوية، لم يعد صالح من بوابة الانتخابات، بل أمنت سيطرة شبه كاملة لحليفها السابق، بواسطة انقلاب عسكري كامل الأركان، متحالفا مع جماعة أصبحت غارقة في محاكاة أمريكا وتقمص دور " الحليف المخلص " في مكافحة الإرهاب.  

لعل ذلك ما يروق البيت الأبيض. إنهم منهمكون، في تشجيع استنساخ التجربة العراقية بحذافيرها، وإدخال البلاد حقبة الحروب الطائفية. 

عليكم تصور تبعاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق