الخميس، 31 يوليو 2014

حكم اللصوص باللصوص لـ" اللصوص "!

عبدالعزيز المجيدي

في الأعياد، يتبادل الناس التهاني والأمنيات بان تكون حياتهم أفضل. وفي هذا العيد، تقدمت سلطة " المبادرة الخليجية" بتهنئة إلى الشعب اليمني، لكن من نوع آخر، مفخخ ، تعهدت خلالها، بتحويل حياتهم إلى جحيم، فوق ما هي عليه أصلا! " جرعة" جديدة، مررتها السلطة، بينما الناس منشغلون بالعيد وطقوسه . اختار" التوافقيون" هذا التوقيت رغبة في تحاشي أي ردود فعل شعبية غاضبة، لكنهم بهذه الطريقة ظهروا في هيئة لصوص وليس رجال دولة، عليهم أن يواجهوا مواطنيهم بشجاعة .
تبلغ البجاحة ذروتها مع تلك " التهاني " التي وجهها وزير الدفاع لليمنيين، أثناء زيارته الميدانية للمعسكرات، بعودة الحق إلى أهله! 
حتى في مثل هذه القرارات الكارثية وغير المحسوبة، هناك من يحاول إضفاء قيمة وطنية عليها، وتحويلها إلى منجز!
حسنا ... ستوفر الحكومة قرابة 4 مليارات دولار كما تقول، كانت تذهب لدعم المشتقات النفطية ، لكن ، إلى أي وجهة ستنتهي هذه الوفورات المالية ؟
الحكومة نفسها تتحدث عن فساد ينخر كل أجهزتها، وإذا كنتَ تحاول جلب المزيد من المال إلى "شوالة" مخرومة ومهترئة فإن ذلك يعني أن كمية الفاقد ستزيد، وقد يتسع الخرق ليؤول كل شيئ إلى الهدر والضياع، وهذا الأخير في هذا البلد، لا يعني شيئا، سوى جيوب اللصوص " المحترمين" .
بدلا من مواجهة مهربي المشتقات النفطية، قررت الحكومة قطع الإمدادات التي كان جزء كبير منها يذهب إلى المواطنين، ويستفيد منه قطاع الزراعة المنهك.
حتى وان تاجر بجزء منها المهربين، فهم شبكة معروفة متغلغلة وتحكم أيضا، ويسهل على السلطة ضربهم إن هي تحلت بالشجاعة ورباطة الجأش! .
يشبه تصرف الحكومة هنا، حالة مرضية، قرر الطبيب، بدلا من تشخيصها ومعالجتها، منحها حقنة مميتة، للخلاص من المريض والحالة معا!
لكن، لماذا علينا أن " نتجنى " على هذه السلطة " المحترمة " ونستبعد النوايا الحسنة من القصة ؟
هناك أموال هائلة تذهب لدعم أسعار المشتقات النفطية، وقد وصلت الأمور إلى حالة نحتاج فيها فقط إلى إعلان حالة الإفلاس، وتحدثت تقارير دولية عن عجز وشيك للحكومة عن دفع المرتبات .
لو كان الأمر بهذه الصورة الملحة حقا، وهناك إدارة نزيهة ورشيدة، فسيتفهم الناس المشكلة وسيشدون الأحزمة على بطونهم " المشدودة " أصلا.
لكن، لماذا على المواطنين أن يتخلوا عن حقهم في شراء مشتقات نفطية بأسعار مدعومة، بينما هناك مسؤولون في الحكومة وقادة في الجيش ونافذون مرتبطون بشبكات تهريب المشتقات، يحصلون عليها مجانا ولا يدفعون فلسا واحدا ؟
في الموازنات الحكومية، للهيئات والمصالح والوزارات والوحدات الاقتصادية "الإيرادية "، هناك بند ثابت، بمئات الملايين، مخصص لما يسمى " الوقود و والزيوت والماء" .
هذه الأموال الضخمة في مجموعها لا تذهب للخدمة العامة، إذ ما من خدمة حقيقية تقدمها هذه المرافق، بل إلى خزانات وعائلات كبار المسؤولين والنافذين فيها، واسألوا عن كوبونات الوقود التي يباع بعضها في السوق السوداء لمصلحة " الكبار" .
بدلا من دموع هذا الأفاق ، باسندوة ، وخطابات الرئيس المسترخي، عليهما فقط، آن يكاشفا الناس بالحقيقة، ونشر الكشوفات بالمخصصات المجانية من المشتقات النفطية شهريا، لـ"علي صالح" وعائلته، وعلي محسن وشبكته ، وكبار القادة العسكريين والوزراء، وعصابة النافذين القديمة، الجديدة ذاتها، وقبل ذلك مخصصات هادي وباسندوة .
في عهد صالح، كانت مخصصات اللواء العسكري الواحد في الشهر، من المشتقات النفطية، تبلغ 100 الف لتر . وطبق مصادر عسكرية عليمة فان إجمالي ما يتم استهلاكه فعليا في ذروة التشغيل ( غير أيام الحرب) 10 ألف لتر. أين كان يذهب الوفر ؟
هذا سؤال لم يكن جديرا بأحد طرحه، فهو اختصاص حصري لقائد اللواء وحاشيته!. ونهاية 2010 تمكنُت من الدخول إلى محطة بترول تتبع الجيش في الحصبة، واسترقت النظر إلى كشوفات ضخمة، مليئة بالتحويلات لمشائخ وضباط ونافذين ووجاهات اجتماعية، تتراوح الكميات مابين مائة لتر وخمسة الف لتر في الشهر. وقتها كنت أعد ملفا صحفيا عن مخصصات الوقود للأجهزة الحكومية لنشره في صحيفتي " الشاهد " ،لكن الصحيفة تعثرت بعد سلسلة مصادرات، وتوقفت بعد حرب الحصبة، الحرب التي اندلعت بين أطراف الفيد نفسها واغتالت أحلام البلد وفتيانه، ومازالت نفس المافيا مستمرة بسرقته .
مؤخرا انخفضت مخصصات المعسكرات إلى النصف، لكن الفائض ما يزال كبيرا، والمؤكد انه يذهب إلى خزانات القادة ولوبيات كبار قادة الجيش.
من خلال ملف صحفي آخر عن عمليات النهب المنظم للبحر، اكتشفتُ أن بعض قادة الجيش وأبناءهم وأبناء مشائخ ومسؤلين، يمتلكون شركات اصطياد، لا تنهب البحر وتخربه فحسب ، بل وتعمل قواربهم بوقود مجاني يخرج من مخازن المعسكرات !
أما حجم المال المنهوب في المصالح الإيرادية، كالجمارك والضرائب، والاتصالات، والمؤسسة الإقتصادية ذات الوضع الغامض، فيكفي لموازنة سنوية رديفة للدولة !. يكفي الإشارة هنا فقط، إلى حديث سابق لرئيس مصلحة الضرائب، إذ قال إن ما يدخل خزينة الدولة لا يساوي سوى 20% من المبلغ المستحق سنويا.
هذه فقط تفاصيل صغيرة ، تشبه رأس جبل جليد، الجزء الضخم منه عائم في البحر، وإذا قرر باسندوة او أي وزير أن يكون مسئولا محترما، فسيخرج على الناس ليقول لهم على الأقل، مَن يسرق حاضرهم، ويصادر مستقبل أبنائهم.
إذا كان هناك بالفعل من لا يزال محترما، بين هذه " الترويكا" الحاكمة ، فعليه أن يكاشف الناس بالحقيقة، وعليه أن يجيب : لماذا على المواطن البسيط أن يخسر المزيد من عرقه، ليمول مئات الآلاف من الأسماء الوهمية في الجيش والأجهزة الأمنية، وان يتخلص من حليب أطفاله، ليمول رحلات الاصطياف وحتى الليالي الحمراء لكبار " العصابة ".
لاشك أن عهد صالح، دمر منظومة القيم لدى اليمنيين، وجعل من الفساد حاكما متربعا على عرش البلاد بكل تفاصيلها، وكان ينهب لمصلحة دوائر نفوذه وأركان حكمه العسكري والقبلي، لكن لائحة اللصوص اتسعت، بعد " المبادرة " لتضم المشترك اللعين أيضا !
لقد كانوا جميعا شركاء في إجهاض " ثورة فتية " خرجت ضدا على كل أوجه الفساد ، فحولوها إلى أزمة، وذهبوا لتقاسم عائداته !
في خلاصة دراسة، أعدها بشأن الحكم في اليمن قبل سنوات، أوجز باحث أمريكي الصورة في جملة واحدة : حكم اللصوص باللصوص لـ "اللصوص" !
أظنها، صورة فوتوغرافية، أكثر وضوحا واختزالا، لما يحدث في هذا البلد اليوم، أكثر من أي وقت مضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق