الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

وطن، يبدأ من احداق العسكر وشرفهم !

عبدالعزيز المجيدي
ــــــــــــــــــــــــــــــ


قضية جوهرية وحساسة كالجيش لا يجب ان تظل رهن التسويات الفوقية.
هذه قضية شعبية بامتياز، مصير وجودنا، كأفراد وبلد، يتحدد بها .
ليس لدينا جيش وطني ومحترف، هذه هي الحقيقة الصادمة التي يفر منها اليمنيون منذ ما بعد ثورة سبتمبر.
ان بلدا لا يملك جيشا، يعني انه ليس دولة. إن لم تحتكر الدولة، حق استخدام " العنف المشروع " بواسطة الجيش والاجهزة الامنية، لممارسة سيادتها وارساءالنظام، مهما كان هذا النظام، فليست أكثر من مبرز، لمضغ القات ومتفل لكبار المقاولين وتجار السلاح وامراء الحرب. 
النواة الأولى لجيش وطني، بعد " ثورة "سبتمبر، واجهت غطرسة الذهنية المسكونة بالتعصب، و مزاعم الاحقية بالجندية، باعتبارها وظيفة لإدرار الدخل، وليست لحماية السيادة وبناء الدولة، وماترتب عن ذلك من هيمنة على السلطة لاحقا لمصلحة عصبة وجغرافيا !
من احداث اغسطس 68 بدأت التشوهات في جسد جيش فتي، سرعان ما تحول الى نسخة منقحة من " العكفة "، وظيفتها الجباية وشن الحرب على المواطنين " وشبح البقع "، و"برطمان" لمرافقي المشائخ.
في 94 كان مسلسل الإزاحة يكمل دورته الانتقامية، فيلحق ابناء المحافظات الجنوبية بسابقيهم ابناء تعز واب والحديدة وريمة.
في هذه المرحلة، لم يكن التهميش مقتصرا على القادة كما حدث لاحقا في حقبة علي عبدالله صالح لأبناء تعز والمناطق الأخرى الشمالية، بل جرى جرف جيش كامل ودفنه في كشوفات التقاعد القسري.
كان الجيش قد استوى اقطاعية، يتبارى في ساحتها المفتوحة، علي صالح وعلي محسن، فكانت آخر جولة تصفيات جرت في حروب صعدة الستة: الزج بمن تم اعادتهم من المحافظات الجنوبية، وجنود الزينة في الجيش من محافظات تعز واب في محرقة المواجهةمع الحوثي ضمن لعبة بعث الخلاف المذهبي ، فكان الاتجاه الى ما بعد سمارة نزولا، طريق شبه حصري، للجثث الميري !
لم يتعرض الجيش وأفراده لمهانة كتلك التي ذاقوها في عهد صالح، القاتل المتوج، كمقاول رئيسي ضد اليمن واليمنيين. وكذلك كان الحال مع شريكه علي محسن .
لا اعتقد ان قائدا سخر من مقاتليه كما فعل . لم يكن يعتبرهم شيئا جديرا بالاحترام ولا بالشرف .
قال بكل حقارة، وقتها لـ"قناة روسيا اليوم"، ان الجندي الذي سيسقط في صعدة سيستبدله بعشرة !
كان مطمئنا فقط، بأن دمهم المسفوك وهم يقاتلون في الميدان ، يمكن منحه لنجله وابناء شقيقه كنياشين ورتب لحروب لم يخوضوها .
كان الدم يجري في صعدة، والرتب تتكاثر على اكتاف الابناء، فقد كانوا يخوضون حروبا شرسة على "البقع" والتباب واراضي الاوقاف، كتفا بكتف مع غريمهم جنرال " الهضاب " والتباب والنفط والغاز ، شريك الوالد الحصري !
لم يند عنه ما يشير الى أن من يتحدث رئيس دولة، بل تاجر حرب ، يشعر بالزهو كلما سالت الدماء أكثر، فهي تراكم ارصدة القتلة وامراء الخراب، وكان هو الخراب عينه.
انحصر السباق بين صالح ومحسن، ومع كل تقدم لطرف على الاخر في خريطة المعسكرات، تشفط حقول نفطية ومناطق امتيازات وشراكات تجارية وتجارة اسلحة، وحتى "برطمانات " الجنود الوهمية !
بحسب معلومات فريق الجيش والامن في مؤتمر الحوار الوطني ، لم يحسم اي منهما الصراع في الكشوفات الوهمية، وسيطر التعادل على الفريقين !
كان احمد علي يسرق مستحقات 52 الف جندي في الحرس ، وكذلك كان يفعل علي محسن بالفرقة: 52 الف بالتمام والكمال.
كانت الشراكة مكتملة الاركان، وكان الرجلان يسجلان اسميهما كأبشع ما يكون عليه القائد : لص ومهرب وتاجر حرب، ومصاص دماء جنود، وبائع فولهم وكدمهم، وشرفهم العسكري.
مشكلة هذا البلد انه لم يحز يوما ما، جيشا كما هي عليه الجيوش، في تاريخه. باستثناء تجربة محترمة وحيدة في الجنوب، ومحاولات السنوات الثلاث للراحل ابراهيم الحمدي، لم يكن لدينا غير ميليشيات واقطاعيات عسكرية، لذلك كان يوم 21 سبتمبر، بمثابة إشهار مدوي لحالة الانكشاف من الدولة، المشروع الذي غاب عن اليمنيين منذ محاولتهم الأولى بناءه في سبتمبر 1962م.
لا يمكننا كبلد، العبور الى حالة الدولة بلا جيش، فكيف بدولة مواطنة، مدنية وحديثة أيضا!
لا تعولوا على السياسيين كثيرا، ولا على هذه النخبة المتعفنة، فقد اصبحوا غير جديرين بشيئ سوى المزبلة ان لم تتأفف !
تعايش هؤلاء مع كل شيئ سيئ، وكانوا يذهبون الى منازلهم كرجال اصحاء من اي عاطفة سوية، بينما تتحول الاعراض والحقوق العامة والخاصة، الى مضمار سباق للمتنمرين، المجرمين، عاهة اليمن المستدامة، اليوم ، وكل يوم، ان لم يستعد الناس المبادرة للدفاع عن حياتهم ومستقبل أبنائهم .
لنقلها صراحة بلا مورابة، ولنضع النقاط على الحروف : الخلل الفادح ، العميق ،يكمن في القوات المسلحة والامن . يكمن في الحسابات التي صاغت هذا الجيش والامن العاطل عن العمل، بمختلف امراضها المناطقية والطائفية وماقبل الوطنية.
وجود جيش متعافي من كل هذه الامراض وبعيدا عن السياسة وصراعاتها، بمقدوره فرض سيادة الدولة في كل شبر، وحماية الانسان من كل عابث. وحده ضمان لجميع اليمنيين من ويلات ودورات الانتقام التي لم تتوقف.
يجب ان يكون بناء الجيش والاجهزة الأمنية، هي قضيتنا المركزية.
كشعب يجب ان ينظم صفوفه وغضبه، لينهي هذا القرف العميم.
يجب ان يعود المسرحون الجنوبيون الى اعمالهم اولا، لا ستعادة القليل من "التوازن الوطني " وليس تركيز الاختلال باستيعاب الميليشيات المسلحة.
ينبغي ان تحظى كل المناطق اليمنية بفرص متكافئة وفقا لأسس، ومعايير احترافية، للانضمام لجيش جديد ومهني.
قبل ذلك يتوجب تسريح القادة الفاسدين، والقيادات الوالغة في الدم والخراب، ليسهل العبور الى مرحلة مختلفة ونقيضة لكل العهود السابقة.
كل عنصر متورط في حق عام او خاص يجب ان يلفظه الجيش، لأن اللصوص لا يحرسون اوطانا، بل يبيعونها.
جيش بعقيدة وطنية راسخة، يمكن التعويل عليه، لضمان مغادرة هذه الحقبة المهينة للبلد وناسه.
عندما نتوفر على هذا " الغائب العظيم" في حياتنا ، سنستطيع الحلم بدولة، ويمكننا الحديث ببذخ، عن فرص استثمار، وعن ثروات تعرف طريقها جيدا الى الخزينة العامة، وعن وطن حقيقي يبدأ من احداق العسكر وشرفهم المهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق