الاثنين، 4 فبراير 2013

قفازات " ثورية " لمواجهة أشواق تعز


                
عبدالعزيز المجيدي
aziz.press7@gmail.com
الشهداء في تعز يقتلون للمرة الألف.  قتلهم صالح وهم يحاولون وضع حد للعهد الأكثر سوءا في تاريخ اليمنيين،  وقتلتهم  الأطراف السياسية مرة أخرى حين منحت قاتلهم الحصانة، لكنها بالغت في التنكيل بهم حين تناست مأساة ذويهم وحتى رفاقهم من الجرحى وهي تتقاسم " كعكة " الحكم. أسوأ ما في كل هذه المهزلة أن يتم استخدام تضحياتهم الآن بصورة لا أخلاقية  مجددا على طاولة " قمار سياسي "  لتحقيق مكاسب فاسدة  تخص نخبة محدودة من الحزبين المتعصبين فقط !

هناك حملة شرسة في تعز ضد المحافظ شوقي هائل  تتخذ من الاستغفال وسيلة إلى التسلل إلى عقول الناس، ولحسن الحظ، فإنها مازالت تراوح مكانها داخل القفازات " الثورية " لحزب الإصلاح ومازال ضحايا الاستغفال هم أنصار الحزب نفسه !. لدى هذا الحزب  مطالب خاصة لم تعد خافية، وتنطوي على رغبة جامحة للاستحواذ على مواقع وظيفية تنفيذية في محافظة تعز، لكن العقبة الوحيدة التي  تجعله أكثر الأطراف تذمرا هو المحافظ شوقي هائل .
يذهب الإصلاح بعيدا في خصومته، فلا يوفر حتى الشهداء في قبورهم  لخوض معركته المتعثرة مع الرجل، فبين الحين والآخر يجري اقتياد هؤلاء، إلى اللافتات الاحتجاجية، للمطالبة " بإقالة الفاسدين والقتلة " في قيادة المحافظة، ضمن لافتات ومطالب كثيرة  يجري استدعاؤها كقوات احتياط، متى كانت الحاجة ملحة للضغط على شوقي وغيره، في مناورات سياسية مكشوفة. وقبل أيام استمعتُ إلى حوار حول ما يجري في تعز على قناة سهيل، موجه بشكل واضح ضد المحافظ، أظرف ما طرح عن الرجل انه  ليس ثائرا، ولم يصلي ولو  لمرة واحدة في ساحة الحرية بتعز! 
هذا الشكل من الاستهبال  بلغ ذروته، فقد غدت الثورة  المغدورة  في عهدة  لون سياسي معين، يقوم بوظيفة مانح صكوك غفران، فيهب رحمته " الثورية " لمن يشاء ، ويمنعها عمن يشاء، ويعتقد أن لديه حقا للتنكيل بالآخرين . هو تعبير عن الحالة المزرية التي آلت إليها  "الثورة " ،  فهل علينا أن ننسى  هبّة "  انصرفوا راشدين "  المداهنة لـ نظام " صالح " ومخاوف كهول الأحزاب وقادتهم في القطاعات الشبابية، عندما كان الشباب الأحرار، يجرؤون على الثورة  بالهتاف المزلزل " الشعب يريد إسقاط النظام "؟
لقد استخدمت الثورة  والساحات كممرات  لعبور الكثير من  القتلة وعتاولة الفساد في البلاد، إلى المستقبل، رغم ذلك ربما يتوجب  علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه المعيارية الثورية الجديدة.
بالنظر إلى الثورة كفعل تغييري يقوم على هدم ما هو قائم وإعادة بنائه، فأن شوقي هائل هو القائد الثوري الحقيقي  الآن، وليس أولئك الذين يصلّون في الساحة.  مع ذلك علينا أن نأخذ "الصلاة" باعتبارها " فعلا " ثوريا . هل شاهد أحدكم محمد اليدومي أو عبدالوهاب الآنسي مثلا، يصلي في ساحة التغيير أو حتى في " الجُمع الثورية " ؟
مشكلة شوقي هائل انه ثوري في الواقع، خلافا " لثورجية " ساحات  "المداكي" ، ما يجعل الرجل  في مواجهة نظام صالح بكل قيمه وطريقة تفكيره، وشركائه وإدارته الفاسدة للشأن العام. لذلك يرفض المحافظ  حتى الآن القبول بالطريقة القديمة التي تم من خلالها تدمير الجهاز الإداري للدولة في عهد صالح وتقاسم الفساد بين الأطراف السياسية لشرعنته.
نفهم تماما  الشراكة السياسية التي  نجمت عن اتفاق أفضى إلى تقاسم المناصب السياسية  في الوزارات والهيئات، في حكومة توافق وشراكة مع نظام صالح،  لكن تحويل الجهاز الإداري للدولة والوظيفة العامة في المستويات الأدنى إلى مجال تسابق واستحواذ ليس أكثر من فساد فاضح، ومخيف أيضا، عندما تحشد إمكانيات غير عادية بكل فجاجه لفرضه كأمر واقع .
يصر شوقي هائل على رفض التعيينات ووضع تدابير محددة للمنافسة على المواقع ، وهذه الفكرة تخدم القضية الجوهرية  للبلد الكامنة في تفشي الفساد ومقدمة  لإصلاح جهاز الخدمة المدنية  الذي جرى تدميره طيلة عقود من جميع الأطراف السياسية، وتضع عربة التغيير الحقيقي على السكة.
بغض النظر عن ملاحظات البعض فآلية محافظ تعز المتحمس، ثورية جدا من حيث المبدأ، وجديرة بالاحتذاء في جميع المحافظات، ولو كنا  مخلصين حقا للثورة، كفعل وليس تهريج، لخرج الناس في كل مكان للوقوف بجانبه.
ببساطة: الحزبيون يريدون تقاسما، على طريقة إمامهم صالح، وشوقي هائل يريد  مسئولين في مكاتب الوزارات والمرافق الخدمية مؤهلون، وأكفاء، يساندونه في معركة التنمية التي يحاول أن يجعلها كأولوية متفشية في تعز.
  إذا كانت  القفازات "الثورية " مهمومة جدا  بالقتلة والفاسدين في تعز، فعليها، أن تتحرك الآن للاعتصام أمام منازل قيادات المشترك في صنعاء، والرئيس عبدربه منصور هادي، فهم وحدهم، من بيدهم قرار إقالة من يريدون، من "شركاء التسوية " في المواقع القيادية المختلفة في المحافظة.  فوزير الإدارة المحلية من التنظيم الوحدوي الناصري، وعبد الوهاب الآنسي  وياسين نعمان وسلطان العتواني ، مستشارون لرئيس الجمهورية.
غير أن الفضول يشدني أكثر : لماذا يحرص الإصلاح  - مع أنني اشك في رغبته بالفعل - على رحيل " القتلة   والفاسدين "في تعز، ويسيّر من اجل ذلك التظاهرات التي تنتهي بالمطالبة برحيل شوقي هائل مع بذاءات وسقوط أخلاقي ، بينما هناك محافظة قريبة جدا أحوج ما تكون للتغيير كإب، وهي الأخرى مبلية " بقتلة وفاسدين " اتهمهم إعلام الإصلاح مرارا بذلك، موجودون في كل مفاصل المحافظة ؟  لماذا على شوقي أن يرحل، بينما يتوجب على المحافظ النائم في إب  وصهر صالح الذي حضر مهرجان " الزعيم " خاطف المؤتمر الشعبي العام، أن يستمر في أداء عمله، رغم قرف أبناء المحافظة من وجوده . للحبل السُري الذي يربط المحافظ الحجري بالإخوان المسلمين قدرة عجيبة على تسكين وتهدئة المتذمرين من قواعد الإصلاح، وعلى حزبيي "السمع والطاعة" الالتزام  بالتعليمات حتى لو كانت ضدا  على قناعتهم ومصالح الناس.
 نفس الأمر ينطبق على محافظة عدن، أما محافظة عمران فالأمر أكثر فداحة. كان يتوجب على الكيانات الثورية  في ساحة التغير بصنعاء بينها تلك التي تتبع توكل كرمان، التوجه إلى مقر المحافظة  للمرابطة هناك والمطالبة بإقالة قتلة  الشباب الذين سقطوا في مجزرة  ملعب الثورة بصنعاء،  فالمؤكد أن من بين المسئولين، في قيادة المحافظة حاليا أشخاص وجهت لهم قناة سهيل آنئذ وإعلام الإصلاح، اتهامات بالمشاركة بارتكاب المجزرة .  هل يحول انتماء المتهمين لقبيلة حاشد دون أن ينتفض الإصلاح في وجوههم، أم أن شراكة الحزب الإسلامي من خلال المحافظ، حققت أهداف الثورة وأسقطت المطلب ؟
أثق تماما في عجز أحزاب المشترك عن تمثل مصالح الناس والإحساس بمتاعبهم. أما فروعها في المحافظات، فليست أكثر من ممثل لمصالح المركز وتعليماته، المركز باعتباره التجسيد الفعلي للنخبة القابضة على الاحتكارات المالية والموارد الخفية. لو كانت فروع هذه الأحزاب حية بالفعل لكنا شاهدنا انتفاضة حقيقية، من اجل قضايا تعز، وبنفس الطريقة إحياء دور الفروع  لمواجهة القضايا الخاصة في المحافظات الأخرى .
الى جانب الممارسات المدمرة  في المحافظات الجنوبية ، هل هناك ما هو اسوا من تحويل محافظة  حيوية ومهمة كتعز، جرى تدميرها وتعطيل مرافقها الحيوية بصورة وحشية وقذرة، طيلة فترة حكم صالح وشركائه إلى مجرد شريط للتهريب؟
 مؤخرا نشرت صحيفة سعودية ملفا صحفيا عن تعز باعتبارها " عاصمة للتهريب في اليمن " ذُكر في تفاصيله كيف أن عائلة صالح وأسرة الشيخ الأحمر واللواء علي محسن وأقربائه يديرون  تجارة التهريب  الضخمة في المخا ويستخدمون الميناء والشريط الساحلي للمحافظة كممر لتجارة عابرة إلى دول أخرى . كنتُ اعتقد أن الحساسية "الثورية"  حيال هذا الواقع المخيف ستنتفض في ساحة الحرية بتعز، على الأقل لدى " المطالبين بإقالة القتلة والفاسدين" وأنهم سيدشنون مرحلة ثورية جديدة، للمطالبة بتحرير المخا من قبضة المهربين . كنت أتمنى أن تحيل فروع أحزاب المشترك  الملف الصحفي إلى برنامج عمل لتصعيد ثوري حقيقي  وتغيير مسار الحملة المضللة "عائدون للتغيير" باتجاه الجبابرة المتغطرسين الذين يحرمون المحافظة من شريان اقتصادي وحيوي يمكن أن يخلق آلاف الفرص من العمل للشباب الغزير في المحافظة، غير أننا لم نشاهد شيئا، لأن ذلك سيعني لهؤلاء، أنهم قد حسموا أمرهم وأصبحوا ثوريين بالفعل !
لو لم يكن مكسب تعز من شوقي سوى ضمان أن محافظ المحافظة، للمرة الأولى منذ عقود،  لن يكون " لصا " ينهب الموازنات ويتصرف بما تبقى من أراضي الدولة والأوقاف، ويفسد الوظيفة العامة، لكان ذلك كافيا. بحسب معلومات مؤكدة، فالرجل ينفق من جيبه، وهناك مخطط حضري جديد للمدينة تحملت نفقاته مجموعة هائل التجارية . فوق ذلك فأن شوقي لديه أجندة واضحة لمشاريع كبيرة وإستراتيجية : تحديث وتطوير ميناء المخا، وبناء محطة توليد كهربائية في المنطقة، وتوسعة وتطوير مطار تعز، والمشروع الأضخم : بناء محطة تحلية لمياه البحر في المخا، لإنقاذ تعز من العطش وكوارث الأوبئة والأمراض التي تفتك بالمحافظة .
يا هؤلاء، دعوا الرجل يعمل، وقدموا خدمة للمحافظة بالصمت، كما تفعلون في محافظات أخرى، وعندما يقترف الرجل شيئا مخالفا للمصلحة العامة، قولوا له  لا، ونحن سنكون قبلكم .  لكن، من سيقنع خطباء "ساحة الحرية" أن الشراكة في النظافة،  أفضل من شراكة " اقتسام المؤسسات " ؟        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق