الأحد، 17 فبراير 2013

وظيفة لتسلية فايرستاين



عبدالعزيز المجيدي
aziz.press7@gmail.com

السفير الأمريكي في صنعا محظوظ للغاية، وأظن السيد فايرستاين سيحتاج عمرا إضافيا لكي تسنح له فرصة أخرى، مشابهة لهذه التي يعمل عليها الآن في اليمن. بكل أريحية يلعب هذا الدبلوماسي العتيد دورا مركزيا في تفاصيل أعقد القضايا اليمنية كممثل مخلص لمصالح بلده، ويتصرف غالبا كفاعل حقيقي وصاحب قرار في تفاصيل كثيرة. هذه ليست المشكلة بالنسبة لي هنا، فالرجل يفعل ما يجده متاحا لخدمة نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها الخاصة، وهو مدين أصلا بكل هذا الحضور لأطراف اللعبة السياسية التي جعلته الملاذ والفيصل عند كل شأن.

غير النفوذ الذي يتمتع به، يحصل فايرستاين فوق ذلك على تسلية وترفيه مجاني، فجميع الأطراف – برغم تناقضها - تبدو كما لو كانت تلعب في  فريق سيرك في غاية الانسجام، مهمته، جلب المزيد من المتعة للرجل.
تصوروا ما هو الموقف الذي سيكون عليه السفير، عندما يسمع "مزحة ثقيلة " في بيان سياسي محتد، يطالبه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، بينما هو في الواقع عاكف على وضع لمساته بخصوص تفاصيلنا !
لاشك أنه،  سيطلق ضحكات مجلجة، ولن يجد عرضا مسليا كهذا في حياته. لا بدأنه سيحظى بمتعة أضافية وهو يحاول إعادة تعريف  "السيادة" التي تعلمها في معاهد وكليات العلوم السياسية، وقد يضطر لأخذ " دروس خصوصية " من  قوى "الفذلكة اليمنية"  المهتمة جدا بالمصطلحات.
سيكتشف الرجل أن  " السيادة " و"الشوؤن الداخلية " تبدو أمرا محيرا في اليمن فقط، بفضل طيف واسع من القادة  والأحزاب والجماعات ذات المدارك الخاصة !   
سيتعرف سفير واشنطن على ممارسة جديدة  لهذا المفهوم الشائك، حيث القوى السياسية  لا تشعر بفداحة تسليم بلد والتدخل في شوؤنه إلا عندما تبدأ" الانتهاكات " تشتعل في أطرافها، تماما، مثلما يفعل صالح.
 كلهم  هنا رسموا " سيادة "  وحدودا  لبلد  بمساحة  قطر دائرة صغيرة حيث يقف صاحب "السيادة " شخصيا وإذا اتسعت فلا تخرج عن حدود جماعة ! .
آخر العروض الممتعة بالنسبة لفا يرستاين كانت نهاية الأسبوع المنصرف، فبعد حديث صحفي للرجل عن موقف بلده  الرافض مشاركة الشيخ عبدالمجيد الزنداني في مؤتمر الحوار الوطني المزمع، واستمرار تصنيف واشنطن للزنداني  "كداعم للإرهاب " ، تسابق حزبا الإصلاح والرشاد السلفي، لإدانة هذه التصريحات .  "أمتع" ما ورد في التعليقين هو اعتبار تصريحات فايرستاين "تدخلا في  الشؤون الداخلية لليمن ".  والمعلوم أن الحزبين يشاركان في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وسينخرطان فيه لمناقشة كل القضايا الداخلية، برعاية دولية وليس أمريكية فقط !
بنفس طريقة الإصلاح والرشاد، كان بيان " زعيم نفسه " قبل أسابيع، يعلق على تصريحات للسفير بخصوص بقائه في اليمن واستمراره على رأس المؤتمر الشعبي العام. صالح الذي وضع البلاد في عهدة فايرستاين، ورفض التنازل الطوعي عن الحكم، ارتفعت حساسيته " الوطنية " وغدا يتحدث عن السيادة !
طيلة فترة حكمه، فعل صالح كل ما من شانه تحويل البلد إلى ساحة للمقاولات  السياسية، ووضع "السيادة والشؤون الداخلية "  لليمن في " شوالات " الرياض وواشنطن، لكي يؤبد بقاءه في الحكم، ويورثه كأي متاع لنجله.  هكذا ببساطة يخرج الرجل ببيان "يستنكر "  تصريحات فايرستاين، ويعتبر ها  " تدخلا في شؤون البلاد الداخلية". هو هنا يهتاج ضد فايرستاين  طالما أن الأمر " يخص سيادته  "وهو الذي فتح البلاد برا وبحرا وجوا، لصنوف الانتهاكات، من طائرات البريداتور إلى رجال المارينز، وأنهى آخر أيامه بصورة مذلة، رافعا العلم السعودي وصورة الملك، في ميدان  السبعين، كما لو كان يحتفل في إمارة سعودية.
وكانت السيادة تتدحرج كعلبة سردين فارغة عندما كان يوجه خطابه " المحروق " من العاصمة السياسية الرياض!
الطريف في الأمر أن إعلام صالح كان يحتفي بتصريحات فايرستاين بخصوص الزنداني، وبالمثل فعل إعلام الإصلاح لتصريحات السفير نفسه بشأن بقاء صالح، وكلاهما أدان تدخله كلا فيما يخصه من قصة " السيادة " .
من عجائب ما يحدث في هذا البلد أن هذا المفهوم يتحدد وفقا لما تقرره المصالح الخاصة للجماعات السياسية أو القادة. فما قد يثير حفيظة جماعة كالحوثيين ربما يجد تعاطفا من السلفيين والإصلاح والعكس، فالسيادة قد تكون أمرا ثانويا وغير ذي بال إذا كانت دولة كإيران هي الفاعل بالنسبة للحوثي، ونفس الأمر إذا كانت السعودية بالنسبة للسلفيين والإصلاح وأبناء الشيخ الأحمر.  إننا نحصد ثمار أسوا حقبة سياسية في التاريخ اليمني.
لقد  فعل صالح كل ما يحلو له في مواجهة الانتفاضة الشعبية، وعندما ضاق به الخناق ألقى بالبلد برمته إلى سلة قوى إقليمية ودولية يعرف جيدا كيف تفكر وماذا تريد، ولهثت مثله وقتئذ، قيادات المعارضة، باحثة عن دور للخارج، وكان عليها أن تدرك أن الأمور ستؤول إلى يد هذه الأطراف، لتكون صاحبة الكلمة الفصل في ترتيب المشهد .
داخل هذه اللعبة، كان فايرستاين اللاعب الرئيسي وضابط نقلاتها، معظم الوقت، وسمعنا وقرأنا عن مطالبات لواشنطن من قيادات سياسية، بتمديد فترة عمله التي انتهت.  لقد كان أطراف الصراع العسكري يتبارون بأموال البلد المسروقة  لإيذاء  الناس وإنهاكهم، فتمنع قاطرات الغاز من دخول العاصمة، فيما آلة تخريب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط  ظلت تعمل على الدوام ومازالت.  أتذكر حينها أنه قيل بأن الفضل في عودة إمدادات الغاز المنزلي يعود لفايرستاين. 
 هذا تدخل ايجابي بالطبع، لكنه يؤشر تماما إلى  حالة  " السيادة " و " الشأن الداخلي"  حيث يعمل المتصارعون بإخلاص لجلب المزيد من التدخلات .
ما هي وظيفة صالح الآن غير العمل، على إفراغ نقمته وإنهاك البلد وتدميره . وما هي وظيفة علي محسن غير تبرير بقاء احمد علي واستمرار حصة سنحان، وتاليا حاشد من القوة، حتى لو تمزقت  البلاد إلى دويلات  ووقعت تحت رحمة المارينز ؟،
ما هي المهمة الوطنية التي تؤديها أطراف، لا تفعل شيئا غير تحقيق مصالح قوى خارجية وكسب ثقتها . أين تبدأ السيادة وأين تنتهي عندما يتقاضى زعماء قبائل، وقيادات حزبية وعسكرية أموالا منتظمة من دول شقيقة ؟
أشعر أننا كشعب غدونا هدفا للمزايدات والاستخفاف باسم السيادة والتدخل في " الشأن الداخلي " وفي الواقع ما من سيادة أو شان داخلي في أيدينا . أقصى ما تريده كل هذه الأطراف أن تنال نصيبها من " الكعكة"  وان تحافظ على " سيادتها " الخاصة ، وان تنال ثقة الخارج .... ونقوده .  هذا ما تجيده، وهي لا تبخل بين الحين والآخر على " الجمهور"  بفواصل حماسية عن السيادة، كطريقة رائجة لخداع  العوام.
وفي كل الأحوال  سيظل فايرستاين، هو الكاسب دوما .. بلا منازع، وسيقهقه حتى يصيح آخر ديك في حكاية " الف بلوة وبلوة " اليمنية.  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق