الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

صحافة مكشوفة الظهر، وزمرة المهرجين !


                      
عبدالعزيز المجيدي
aziz.press7@gmail.com
قبل نحو أسبوعين "تبين " لنا،  كصحفيين، أن لدينا نقابة، وأن النقابة لديها قيادة " تحس " وتعيش، لكن في "المنصة ".
بعض هؤلاء تذكروا بعد نسيان طويل أنهم  مسوؤلين على رأس نقابة، وظيفتها في المقام الأول، ليس  الدفاع عن الصحفيين وصون حقوقهم كما يفترض، بل الضحك عليهم  .


لطالما كانت هذه القيادة غائبة عن المحنة التي واجهتها الصحافة في هذا البلد، طوال الفترة الماضية، إذ تعرضت لأكثر الهجمات شراسة، عندما كان البلد يشتعل بانتفاضة شعبية. في تلك الأحداث قتل خمسة صحفيين، وجرح آخرون، وشنت السلطات حملة مصادرات، كبدت الكثير من الصحف، خسائر فادحة، على وجه الخصوص تلك المستقلة، غير المذعنة، الناشطة خارج لعبة الاستقطاب، وتفاقمت الظروف السيئة مع الحرب التي اندلعت في الحصبة بصنعاء، فاضطرت بعضها للإغلاق، ففقد الكثيرون أعمالهم. في هذا السياق علينا أن لا ننسى ما تعرضت له صحيفة الأيام وناشرها الراحل هشام باشراحيل، الذي مات كمدا .
وسط كل ذلك، كانت نقابة الصحفيين حاضرة بقوة، لكن في البيانات، على وجه الخصوص، بيانات النعي ! وكأن اتفاقا غير مكتوب، ربما ، بين أطراف لعبة التوافق، منذ المؤتمر العام الرابع  قضى، بشل فاعلية أهم نقابة نوعية في البلد. فبينما كانت الصحافة تغرق في المزيد من المتاعب، كانت قيادة النقابة تغرق في الغياب، لدرجة أن هناك اعضاءا في المجلس يصل عددهم إلى النصف، لم يحضروا اجتماعا واحدا منذ 3 سنوات، ويتقاضون مكافآت عنها!  لذلك كانت مشروعية هذه القيادة قد انتهت، منذ أكثر من عامين، طبقا للنظام الأساسي.
 لحلحلة هذا الوضع، كنت، وزملاء أطلقنا مطلع هذا العام مبادرة، للمطالبة باستقالة المجلس الحالي ومحاسبته، من خلال مؤتمر استثنائي، وانضم إلينا زملاء من المحافظات، لكن بعض الزملاء لم يتوقع ذلك التهالك والتشبث الذي أبدته قيادة النقابة، لدرجة شعرنا معها بأن علي صالح كان لديه ما يقاتل من اجله، رغم خطأ هكذا استنتاج فادح .
هذه القيادة نفسها، ذابت كملح في قدر يغلي، عندما كان الساسة يعقدون صفقة على دماء الضحايا من خلال المبادرة الخليجية وقانون الحصانة. لم نسمع حينها أن النقابة تبنت موقفا مناهضا، للجريمة، رغم صلتها المباشرة بالقضية التي رتبها سقوط خمسة قتلى من الإعلاميين والصحفيين، وهم يوثقون جرائم صالح وأركان حكمه، وتوارت مع أخواتها من النقابات الأخرى، ومنظمات "السمسونيت " الحقوقية في مشهد انسحاب، الأرجح أنها قبضت ثمنه . بالنسبة لأي نقابة تحترم نفسها، كان ينبغي على طاقمها  أن  يقود تيار الرفض، ليس من اجل الصحفيين وحدهم، بل من اجل كل شهداء وضحايا  " الثورة المغدورة" والبلد برمته .
هذا الأداء مرتبط بعيب جوهري :  الجمعية العمومية نفسها ، فالمهنة التي يفترض بأعضائها أنهم قادة رأي عام، أصيبت بصحفيين، يخضعون غالبا  للتوجيهات، ويتم التلاعب بهم ببساطة في المؤتمرات الحاسمة من خلال الأحزاب.  لذلك لم تواجه النقابة ضغطا حقيقيا، من أعضائها، وكان نشاطها في الواقع، يعكس صورة مزرية عن جمعية عمومية رثة، وجديرة بالشفقة، بلا وعي أو تطلع. 
لاحقا، وتحديدا نهاية الشهر الفائت، تذكرت النقابة أن لديها قضية، تستحق التوقف، فظهر بعض قياداتها في " المنصة"، يخوضون معركة شرسة  فوق الميكرفون، من أجل رفاق المهنة، الضحايا الذين قتلتهم النقابة مرة أخرى وهي تقوم بدور المهرج، لملاحقة قتلتهم في معركة " المنصة "! . كنت على ثقة  أن شيئا آخر غير صحوة الضمير هو المحرك خلف القصة، وظهر أن المشاعر التي جلبها هؤلاء  إلى الفعالية كانت مدفوعة الأجر.  هو نشاط، جاء استجابة لدعوات منظمات خارجية بمناسبة " اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب"، المؤكد أنها انتهت بتصفية العهدة مقابل الحضور في المنصة !
هذه القيادة تفتقد للشعور بالمسؤولية النقابية والأخلاقية، وأحيانا أتصور أن وجوه بعض أعضائها  صنعت في معامل "هزاع طه " . شخصيات  ضعيفة وهزيلة مكتنزة باللؤم ، ينخرها العجز، وبلا أفق، ليس لديها ما تفعله، سوى متابعة السفريات، والتذاكر، وحضور الولائم، والحديث عن انعدام الإمكانيات والتمويل، متناسية أنها نثرت الوعود لتغيير الوضع الذي تشتكي منه .
هل انتخبناهم ليفعلوا ذلك ؟
شخصيا أحاول منذ أكثر من عام أن أجد أحدا، حيا، هناك في نقابة قسم " الجديري " ولقد تابعتها مرارا بمذكرة مكتوبة  في محاولة لبدء ضغوط على الحكومة لتعويض صحيفة الشاهد، جراء الأضرار الناجمة عن الأحداث التي شهدتها البلاد. من سوء حظ الشاهد أنها صدرت في الأسبوع الثاني من " الثورة " الشعبية، بعد 4 أشهر من ترخيصها رسميا، وستة أشهر قبلها من ملهاة متابعة الترخيص. تعرضت الصحيفة للمصادرة عدة مرات، وتوقفت بصورة نهائية مع مواجهات الحصبة بصنعاء ، قبل أن نضطر بعد ها بستة أشهر إلى إخلاء المكتب. لقد وقّع صالح على المبادرة ولم يرحل، وكنت أقول متهكما للزملاء والأصدقاء لاحقا : خرجت الثورة  لترحيل صالح وعائلته ونظامه، فرحلت الشاهد و المجيدي، وبقي هؤلاء !    
لقد فقدنا : أنا وزملائي الأعزاء الذين شاركوني التجربة بكل ظروفها القاسية، مصدر الرزق الوحيد، وشخصيا، زادت الأمور سوءا لدرجة عجزت معها عن دفع إيجار المنزل ، فلم أجد سبيلا غير وضع كل شيء على، شاحنة إلى تعز، حيث  يمكن للأقارب أن يكونوا الجدار الأخير!
 في نفس الوقت كانت عشرات الملايين تتسرب من الشقق المجاورة حيث كان مكتبي، ويا للمصادفة ، في مبنى  بساحة الجامعة، وبدلا من الزحف على القصر كانت اللجان المالية " للثوار " تكتسح المبنى، وتزحف كل يوم لتضم إلى هيمنتها شقة  إضافية، آخرها كان مكتب الشاهد !
للمرة الأولى أجدني مضطرا للحديث عن أمر شخصي في مقال،  لكنني  استدعي ذلك في سياق متصل.
ففي وضع بائس  كهذا لا يمكن للنقابة أن تمارس الفرجة، حتى لو كانت قيادتها جاءت من " موزمبيق " ويمكن أن تقوم حتى بدور منظمة إغاثة، ليس تفضلا، بل التزاما بمسؤوليتها النقابية كما ينص النظام الأساسي ومسؤوليتها الأخلاقية المعدومة أصلا. مع ذلك فقد لاحقتُها مرارا بلا أمل يرجى . ضاعت المذكرة الأولى في دهاليز الأمين العام، ثم ألحقتها بأخرى وقعت في يد الوكيل، وليتها ما وقعت!
هناك مثل دارج يبدو أن ثقافة النهب صاغته بحكمة بالغة : من قال حقي غلب . لذلك أصبح لعلي صالح وعائلته في عهد " الثورة " التي خرجت للإطاحة به،  وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة، مجهزة ومعدة، وممولة من المال العام.  هو يمتلك بالإضافة إلى ذلك القسم الضارب من الجيش،  ونصف حكومة، وعديد مؤسسات وشركات تجارية حكومية وخاصة، ولا اعتقد أن باسندوة ومقاولو المشترك سيقولون  شيئا حيال ذلك، فقد أمّنت المبادرة " حصصا "  للجميع، باستثناء الشعب . نحن فقط، مواطنو الدرجة العاشرة، الذين أقمنا صحفا على أنقاض أسر، في محاولة  لخلق منابر حرة، بين هذا الركام من الورق، تسحقنا ماكينة النهب ذاتها، وظهورنا مكشوفة سياسيا، وبلا نقابة. 
منذ أكثر من عام، وأنا وزملائي عالقون وسط كومة نفايات بشرية، تزداد متاعبنا الأسرية والمادية، ويقتلنا كل هذا الموت، في الوجوه، والضمائر، وكلما صرخنا في وجوههم مطالبين  بحقنا، تردد  قيادة "الجديري"  اللعينة، ذات الاسطوانة القاتلة : نشتي نتابع حق الصحف كلها. لكنها لا تفعل شيئا، غير التأكيد بأنها نقابة غير محترمة .  
هؤلاء يفتقدون للتأهيل، وهم يحتاجون إلى  ذلك النوع من التأهيل، الذي يرسم حمرة الخجل، ويدفع بصاحبه إلى الاستقالة عندما يجد نفسه عاجزا عن ملئ موقعه كما يجب !
 لكننا في الواقع يجب أن نعمل على محاسبتهم وطردهم في المؤتمر العام القادم، وإعادة الاعتبار لأرفع واخطر مهنة عرفها العالم، توشك في اليمن أن تصبح مجالا محتكرا، لتبييض الأموال المسروقة، وجرائم الفساد .
 على الصحفيين أن يفكروا قبل أي شيء آخر بوعي حقيقي، ومساءلة أنفسهم اليوم :  لماذا ينبغي أن يكون لدينا نقابة، كي نحدد بدقة، وبعيون مفتوحة ترصد كل شيء ، برنامج عمل القيادة القادمة، غير هذا الموت، وزمرة المهرجين .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق