الأحد، 29 يوليو 2012

جيل ما بعد «القطرنة» بقليل والانحطاط السياسي

عبدالعزيز المجيديaziz.press7@gmail.com




ما من تقدير لائق، غير الازدراء، يمكن أن ينصف البلد من هؤلاء الكهول الذين هرمت اليمن على أيديهم. نخبة غبية وبليدة ولّدتها الصدفة والأمر الواقع، إذ جاؤا في وقت كانوا بنظر الناس وزمن ما بعد «القطرنة» بقليل «بيضة الديك»، وهم مستمرون حتى اللحظة بإنتاج القرف، وضخ البؤس، وإعادة البلد إلى ذات القمقم الذي يحاول الخروج منه بفضل مبادرة غير مكتملة لجيل جديد من اليمنيين.
يصر هذا الجيل الخرف، على تصديرغبائه إلى المستقبل، وهو يحاول أن يستمر في ممارسة السياسة باعتبارها عملا منافيا للقيم، ولا يشعر بالمسؤولية الأخلاقية تجاه أي شيء، حتى إن كان هذا الشيء، شهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، ومن خلفهم اسر وأطفال يعتقدون أن دماء أبناءهم تستحق الاحترام، وأنهم سقطوا من اجل غاية نبيلة، ليس من بينها هذا الانحطاط السياسي الذي نشاهده اليوم تحت لافتات «إنسانية»
نفس الجيل الذي ظل «منبطحا» في وجه منظومة صالح الفاسدة طيلة 33 عاما، وشريكا لها أحيانا، يعمل اليوم على إحياء الرجل الذي أهان اليمنيين كما لم يفعل، مستعمر، ويتبادلون الأدوار، لشرعنة، ممارسة الاهانات بحق البلاد والناس، ثم يذهبون إلى منازلهم دون إن يصرخ احد في وجوههم : انتم كارثة كاملة حلت على اليمنيين منذ وثب هذا الرجل إلى الحكم.
عندما كان الشباب في الساحات يرفعون أصواتهم بالرفض للتسوية التي التهمت ثورة اليمنيين، كان هؤلاء ينظّرون لها، ويعتقدون أنهم يجترحون فروسية نادرة في قيادة مصير البلد إلى هذا المآل. واليوم بعد التنازع على «الكعكة» والحصص، ينخرطون في ممارسات تمثل في حدها الأدنى طعنة حقيرة في ظهر الشهداء الذين سقطوا من اجل الخلاص. هي لا تقل غدرا عن تلك التي منحت القاتل الحصانة، وأبقته شوكة في حلق البلد !
إذا كان على احدهم أن يعرب عن امتعاضه من حزب الإصلاح وسياسته الاقصائية كما يقولون، أو هيمنة علي محسن، لماذا عليه أن يذهب إلى الارتماء في حضن علي صالح أو احمد علي؟؟
متى كانت الثورة مسجلة باسم فريق سياسي، أو حزب، أو جماعة، حتى ننفر منها إلى الطرف الذي خرج شعب بأكمله للإطاحة به.
أظن صالح الآن يقهقه من كل قلبه فرحا بهذا النوع من السياسة التي طالما عرفها ومارسها باعتبارها «لعص احذي»، وليس أفضل من هذا «اللعص» الذي نشاهده اليوم.
أحزاب سياسية، تعتقد أنها حازت «الوليمة» وبدأت بتقطيعها، ظافرة بالحصة الأكبر، بينما يذهب آخرون للتعبير عن غضبهم وحساباتهم الخاصة بالارتماء في الجهة الأخرى، ودم الشهداء مازال طازجا وهناك معتقلون من شباب الثورة في سجون سرية.
قياديون وسياسيون، لطالما قدموا أنفسهم كمعارضين لحكم صالح، يتهافتون اليوم عند اقدامه نكاية بحلفائهم السياسيين، وهم يدركون تماما أن ثمن هذه السياسة لن يدفعه أحدا غير الوطن بناسه البسطاء.
يريدنا هذا الجيل العاثر أن نقيم عند مفهومه للسياسة التي تخلو غالبا من القيم، وينظر للتوازنات بالطريقة القديمة، حيث يجب أن يكون البلد عالقا بين حراب قوتين، ترصد كلا منها الأخرى، وتفتك في الأثناء بكل إمكانيات البلد، وعندما يختل التوازن تطحن الجميع!!
يريدون وطنا يُصنع من فتيل قنبلة، يعيش دورات عنف ودم، كلما لاحت الفرصة لأحد الطرفين بالتهام الكعكة وإزاحة بقية الأطراف. هكذا انتهى توازن القوى بين علي صالح وحلفائه والحزب الاشتراكي بعد الوحدة، واليوم يراد لنا العودة إلى ذات النهج الذي يبقي البلد رهنا لعضلات احمد علي ومن خلفه أبيه، وعلي محسن. والواقع أن هذين الأخيرين سعيدين لهذه النتيجة فهي تبقي الجميع في حاجة إليهما، وانتهى الثوار المزعومون، إلى فريقين منقسمين على النظام الذي اشتعلت الثورة ضده.
سياسيون لا يعتقدون أن عليهم، بناء توازنات جديدة بأدوات حديثة حيث الأحزاب السياسية والناس هم رصيد القوة الحقيقي في مواجهة أي سلطة مستبدة مهما كان جبروتها، ودولة مواطنة، القوة فيها مكرسة لحماية الحق والعدل. هم لا يؤمنون بالناس، ويعتقدون أن عليهم كسياسيين تجنب أي عمل مرهق من شأنه أن يخلق أفقا جديدا للبلد خارج معادلة رثة، تراهن دائما على نفس المنطق الذي يكرسه الحكم : القوة العارية من جيش وأجهزة امن.
لولآ هؤلاء السياسيين الذين نشاهدهم الآن في صدارة العمل الحزبي في البلد منذ عقود، ما كان لشخص بضحالة علي عبدالله صالح أن يحكم لدقيقة واحدة، فقد تنازل الجميع عن كل مطالب الأحرار في ثورتي سبتمبر واكتوبر، وعندما كان صالح ينحدر بالبلد إلى مستوى «المقاولات» الشاملة لمصلحته والجارة الكبرى، كان هؤلاء ينظمون إليه في كشوفات اللجنة الخاصة، وينخرطون في نخاسة غير مسبوقة في التاريخ. هؤلاء لم يكونوا معارضين يوما لصالح، وقد خدعنا كل هذا الوقت، بدليل أن الثورة الشبابية الشعبية التي لم يشهد البلد مثيلا لها في تاريخه، اشتعلت لوضع حد لأسوأ حاكم، فاستيقظ هؤلاء لإنقاذه حينما كان يتهاوى، وعقدوا تسوية، بموجبها تنحى صالح عن الرئاسة، لكنها أبقته شريكا في الحكم. وخلافا للحد الأدنى الذي حققته الثورات العربية، كُتب لمشروع التوريث أن يحيا، مع بقاء احمد على قائدا لوحدات ضاربة في الجيش.
في تلك الأثناء عندما كانت كفة القوة الشعبية تطيح بصلابة، بترسانة القوة التقليلدية، وتتفوق عليها في غضون أيام، كان صالح في مواجهة جيل شاب مختلف عن هؤلاء الذين خبرهم طيلة حكمه، وأدرك وقتها أن عليه الرحيل. غير أن اللعبة عندما عادت مجددا إلى ذات الجيل العاجز، «المريض» بقوة صالح، اخترعت القوى الإقليمية والدولية طريقا آمنا للرجل، يبقيه حتى اللحظة فاعلا رئيسيا في المشهد، وجرى احتواء الثورة.
اليوم، نفس الجيل الفاشل، يهدي صالح فرصا أخرى لإحياء دوره وإعادته إلى الصدارة، بعد عزلة شخصية كابدها المحروق لأشهر، فقسم منهم منهمك في لعبة الشراكة مع صالح، فيما قسم آخر ساخط وغاضب، ولديه طريقه الخاص إلى شراكة من نوع معروف في أدبيات السياسيين اليمنيين!
سنعلَق مجددا داخل معادلة فادحة تعيد الأطراف السياسية ضخها إلى الملعب، ونفس المنطق الذي جعل البلد قنبلة موقوتة على الدوام يراد إحياؤه، فالإفلات من قبضة علي محسن والفرقة، تقتضي الارتماء في حضن احمد علي والحرس الجمهوري! لا شك أن محسن قد ميز نفسه بإعلان انضمامه للثورة، لكن هذا الموقف، مهما كانت تقديراته الخاصة، يجب أن لا يكون ممرا لإعادة تدوير الرجل الطاعن في السلطة، ويجب أن يترك موقعه العسكري مع بقية عائلة صالح على وجه السرعة.
ممارسة السياسة في اليمن تفتقد دائما للقيم والحس الأخلاقي، فطوال خمس سنوات شن صالح ستة حروب ضد الحوثيين في صعدة، وقد قُتل وجرح عشرات الآلاف من الجانبين بينهم مدنيين، ونزح مئات الآلاف من السكان، لكن صالح الذي كان يشعل الحرب بمكالمة هاتفية ويطفئها بأخرى، غدا الآن اقرب إلى الحوثيين. وهؤلاء يفعلون ذلك، نكاية بعلي محسن وحزب الإصلاح، وكأن البلد هو هذين الطرفين. تحت ضغط العداوة الجديدة، والخشية من مغادرة السلطة مربعها التاريخي، نشاهد حميمية لافتة بين عائلة صالح والحوثيين، عبرت على آلاف الجثث من القتلى والجرحى، وببساطة يمكن للطرفين بناء تحالف من اجل محرقة جديدة تشبه تلك التي راح ضحيتها الأبرياء في ستة حروب غامضة. إنه المنطق نفسه للسياسة التي يكرسها صنف رديء من النخبة المريضة، يعمل بطريقة غبية لإحياء ذات القوى التي التهمت البلاد، ولم تنج من العقاب فحسب، بل إنها مستمرة في ما بدأته قبل 33 عاما، بعد النجاح في احتواء ثورة شعبية عارمة.
ببساطة شديدة يمكن للسياسي في اليمن أن يتخذ من آلاف الجثث، جسرا في الطريق إلى مصلحته وشأنه الخاص، حيث يمكن أن يبارك للقاتل فعلته، ويعقد صفقة على أشلاء الضحايا. إنه يفعل ذلك مغمورا بشعور الرجل الذكي، الذي يجب أن يرى الناس بعض قدراته الخارقة (!!) دون أن يكترث بكثير أرواح أزهقتها نفس اليد التي يصافحها اليوم.

لقد سئمنا هذا الأداء وهذه الصور، التي تزاحمنا حتى في أحلامنا، ومن حق البلد وهذا الجيل أن يخلص من كل هذا الهراء المقيم على رأس أحزابه، وتنظيماته السياسية. يجب أن تتغير قواعد اللعبة، فالشللية وشغل «الربطية» المهيمن على هيئات الأحزاب لا بد أن ينتهي، لينتقل الناس إلى عمل شفاف داخل مؤسسات حزبية ناضجة، يتيح للقواعد صياغة تطلعاتها في المواقع القيادية وفي الممارسة السياسية. جيل الشباب الذي يجب أن يقود هذا التحول داخل الأحزاب عليه أن يعبر عن نفسه بالقوة المفترضة لجيل تحمل مسؤولية إيقاظ هؤلاء العجزة من سباتهم. وعلى هذا الجيل الكهل والهرم ذهنيا وسياسيا أن يأوي إلى مرقده الأبدي في المذكرات، إن كانوا يريدون القيام بعمل نافع حقا.

ما الحاجة بالله عليكم إلى عبد الوهاب الآنسي أو محمد اليدومي، في حزب فتي، تناوب الرجلين على موقع الأمين العام في الاصلاح منذ تأسيسه قبل 22 عاما وحتى الآن، بدون منافس!

ثم لماذا لا يفكر أكاديميا كمحمد المتوكل أن يتفرغ لكتابة مذكراته، وترك حلبة الثيران هذه، بدلا من هذه العودة المخيفة لـ«كهل» نهم على الأضواء. مثل هؤلاء كثر، في أحزابنا السياسية، ومع كل الاحترام لشخوصهم، فالواقع أنهم خارج الزمن وخارج تطلعات جيل جديد، مختلف، يريد أن يرى نفسه فاعلا في المشهد، المصادر منذ عقود لمصلحة نفس النخبة المزمنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق