الثلاثاء، 17 يوليو 2012

عن أمريكا مريبة .. تساند القاعدة !


عبدالعزيز المجيدي
aziz.press7@gmail.com
تمسك واشنطن بتلابيب القصة الكاملة لما يحدث في اليمن. هي تدرك أن توسع وانتشار القاعدة والتنظيمات المسلحة المتحالفة معها، كان شيئا صعب المنال بدون تسهيلات من أطراف مهيمنة على الأجهزة الأمنية والعسكرية. ولطالما قال الأمريكيون إن الانقسام الحاصل في الأجهزة الأمنية والعسكرية سهّل تنفيذ الهجمات الإرهابية التي تشهدها البلاد. والمؤكد انه من السبب ذاته، يتغذى الانفلات الأمني، وتخريب خطوط الكهرباء والنفط، واستمرار سرقة المال العام في المؤسسات والهيئات التي تتبع الدولة سيما في الوحدات الاقتصادية الايرادية .


مع ذلك فإن واشنطن لم تقل لنا بوضوح: لماذا يجب على اليمنيين أن يتعايشوا مع المشكلة، وتقبُل بقاء عائلة علي عبدالله صالح وعلي محسن على رأس هذا الانقسام ؟
في أي بلد لديه نخب يقظة وقوى سياسية حية، يمكن أن يكون هذا السؤال في مقام الفضيحة، فهناك ثورة يفترض أن أهم أولوياتها، تحرير الجيش من حالة الامتلاك والتبعية التي انتهى إليها في وضعه الحالي، حيث يبدو جزءا من متاع عائلة صالح واللواء علي محسن. فوق ذلك فإن ملفا خطيرا كهذا يجب أن لا يقع بهذه البساطة في قبضة قوة دولية لها حساباتها الخاصة، وتثابر دائما سيما في بلدان العالم الثالث لاختراق المؤسسة العسكرية والأمنية ووضع رجالها في المواقع الحساسة.
لكن السؤال هنا يجب أن يوجه لواشنطن بحكم الأمر الواقع الذي سلمت بموجبه مختلف الأطراف السياسية، البلاد، إلى الخارج . وهناك سببا يخص واشنطن نفسها، فالدولة العظمى التي تشن حربا لا هوادة فيها على الإرهاب كما تقول، بدت مسترخية في الحالة اليمنية، ولم تفتح تحقيقا واحدا في الكيفية التي حصل من خلالها عناصر " أنصار الشريعة " ومسلحو القاعدة على مختلف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات، وصولا إلى إعلان إمارات إسلامية قبل أن يتم القضاء عليها بشكل كبير في الحملة التي جردها الرئيس هادي، وفقد ثمنا لها أفضل رجالاته : اللواء الشهيد سالم قطن .
بحكم  طبيعة العلاقات والمصالح، قد يبدو منح اليمن فرصة للتخلص من قبضة الهيمنة التي أطبقت عليها قوة الحكم العصبوي، بكل شراكاته، مصادما لمصالح أطراف إقليمية تهتم لها واشنطن، كالسعودية، وتمنحها الأولوية في ترتيب الشأن اليمني، لذلك فضلت أمريكا تدوير الأزمة بين ذات الأطراف المتصارعة في منظومة الحكم المتصدع ، مع هوامش بسيطة للقوى السياسية، وتبدو أحيانا( امريكا ) كما لو كانت تريد أن يستمر اليمن فوق صفيح ساخن وتحت رحمة المهدئات الإقليمية، ووصايتها كذلك.
أهم سبب يبقي اليمن داخل هذه الدائرة ويعرضها للمزيد من التشظي والانقسام، بقاء ذات القوى المنقسمة على رأس المؤسسة العسكرية والأمنية.
جوهر المشكلة في اليمن، ليس في هيمنة المؤتمر الشعبي العام على الحكم طيلة 3 عقود من حكم صالح، فهو ليس أكثر من قفاز للعائلة، بل في تحويل المؤسسة العسكرية والأمنية إلى إقطاعية خاصة بصالح وحليفه العسكري محسن وبناء جيش " مقاولات " لمصلحتهما.  
لذلك كان الجسر الذي عبر عليه صالح لبناء مشروعه الخاص في توريث الحكم، الإطباق على هذه المؤسسة في البداية، بتطهيرها من العناصر والكفاءات الوطنية، وتنصيب أقاربه وأبناء قبيلته على رأسها، وفي طور آخر تضييق دائرة الهيمنة وتركيزها داخل حدود العائلة الصغيرة، وإقصاء حلفائه السابقين أو تحجيمهم.
لقد تعاملت واشنطن مع مشاريع التوريث في المنطقة وساندت الأنظمة المستبدة، واستقبلت أحيانا جمال مبارك وهانيبال القذافي في البيت الأبيض كحكام فعليين لشعوبهم،وهذا شأنها كدولة تقدس مصالحها الخاصة . وفي اليمن واصلت منح الرعاية الخاصة للوحدات العسكرية والأمنية التي يقودها أولاد علي صالح وخصوصا احمد، وتقدر تقارير صحفية قيمة ما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات عسكرية لتلك الوحدات طيلة الفترة المنصرفة تحت لافتة محاربة الإرهاب، بخمسة مليارات دولار .
 لكننا في الواقع كنا نشاهد العكس، فكلما زادت المساعدات العسكرية بهذا الخصوص، تنامى تهديد القاعدة وزاد التنظيم  انتشارا لدرجة كانت التقارير الإستخبارية الغربية قبل عامين تصف اليمن بأنها " أفغانستان أخرى على البحر ".
لقد عبرت واشنطن مرارا عن خيبة أمل في جدية صالح في مواجهة القاعدة، وعندما حانت الفرصة للتخلص من الحليف "غير الموثوق " برزت القوة العظمى في مواجهة تطلعات الثورة الشبابية الشعبية، فرفضت رحيل عائلة صالح عن مواقعهم، عندما كان صالح نفسه يقدم خطة للسفير الأمريكي لنقل السلطة في مارس العام الماضي على وقع زلزال مجزرة جمعة الكرامة!
 لقد ساق الأمريكان وقتها مبررا لهذا الرفض، حصروه بالخشية من " تعطيل خطط مكافحة الإرهاب "! وكان أفراد عائلة صالح الذين يشكلون قوام نظامه الحقيقي على رأس تلك القوات العسكرية والأجهزة الأمنية، منهمكون ليس في مواجهة القاعدة، بل في قتل شباب الثورة، وبأدوات قوات مكافحة الإرهاب المدعومة من واشنطن .
ما من شك أن أداء المعارضة السياسية الذي اضعف جانب الثورة، عوض مساندتها، قد شجع الأطراف الخارجية بما في ذلك أمريكا على صياغة تسوية تبقي أطراف الأزمة الفاعلين في صدارة المشهد، ويمكن تفسير تمسك واشنطن بعائلة صالح وقتها إذا ما أحسنا الظن، بعدم اتضاح الرؤية بشان البديل القادم، غير أن استمرار واشنطن على ذات النهج حتى بعد العثور على حليف موثوق وحاسم في مواجهة القاعدة، يضعها في دائرة الشك.
من حسن حظ الولايات المتحدة مثلما هو من حسن حظ اليمنيين، أن رجلا بشكيمة وشجاعة عبدربه منصورهادي أصبح رئيسا لليمن، غير أن الرجل يواجه خذلانا، وتبدو واشنطن المتشددة إعلاميا في الحرب على الإرهاب، في الجهة التي لا تريد حربا حقيقية وحاسمة للقضاء عليه.
إذا كان طموح اليمنيين في التخلص من قبضة عائلة صالح وإزاحتهم من الأجهزة العسكرية والأمنية، مع حليفه السابق علي محسن، غير مرغوبا للأمريكان –  لحسابات خاصة – فإن رحيل هؤلاء على الأقل يخدم طموح الولايات المتحدة المعلن في القضاء على تنظيم القاعدة والإرهاب في اليمن  .
ببقاء القوة الضاربة للجيش مشلولة تحت سيطرة احمد علي، والقسم الآخر تحت إمرة علي محسن، لا يستطيع الرئيس هادي أن يتصرف كرئيس فعلي في مواجهة خطر القاعد، ويبدو، تحت ضغط الأمريكان،على الطرفين، كمنسق عمليات لقوات احمد ومحسن.
لكي يكون رئيسا فعليا للبلاد ومصدر ثقة للناس، يحتاج هادي إلى تمكينه من أدوات ممارسة السلطة، ولكي يواجه القاعدة ومخاطرها، فلا شيئ يمكنه أن يضع حدا لحالة الانفلات تلك، سوى مؤسسة الجيش وأجهزة أمنية خاضعة لسلطته . وعندما يستمر الرئيس في مزاولة وظيفته في  منزله، عالقا بين فكي كماشة قوات احمد علي وعلي محسن، فإن القاعدة تصبح أكثر قوة، من ذي قبل، وتقل ثقة الناس في قدرة الرئيس على إخراجهم من محنتهم.
غير المتاعب التي تحصدها البلاد، على كل صعيد ببقاء هؤلاء كعناصر توتر دائم، فإن الطرفين تبادلا الاتهامات مرارا بالضلوع في علاقات مع القاعدة، وعندما يعزف صالح وعائلته من جهة و علي محسن من جهة أخرى هذه المقطوعة عند كل هجوم، فإن الطرفين يدركان تماما إلى أي حد كان جميعهم متورطون في الارتباط بهذا التنظيم، وربما صناعة بعض رجاله وفروعه.
إن الجيش والأمن يحصدان الآن ثمرة هذا الصراع المدمر بين طرفين تشاركا كل مكاسب الحكم وامتيازاته، وأصبح بقاءهما مصدر تهديد ليس للبلاد فحسب، بل ولأفراد الوحدات العسكرية والأمنية. فبينما يستمر الجانبان في استغلال كل قدرات هذه الأجهزة لحماية مصالحهم غير المشروعة والحفاظ على الامتيازات، تستمر الهجمات الإرهابية التي تستهدف أفراد الجيش والأمن، كما حدث في مجزرة السبعين، في مايو الماضي، والهجوم الأخير على طلبة كلية الشرطة، وقبلهما عملية الاغتيال التي طالت اللواء سالم قطن رجل الحسم في أبين. من شأن  هذه الحالة  تبديد الانتصارات التي حققها الجيش وإضعاف الثقة بقدرة البلد على تجاوز مأزقه الراهن، بكل ما يترتب عن ذلك من حالة إحباط شعبي ربما يغدو مدمرا.
أفضل خدمة  يمكن للأمريكان والأوربيين والخليجيين تقديمها لدعم ومساندة عبدربه واليمن، هو التخلي عن عائلة صالح، وتاليا محسن، وليس إرسال الوفود والتحايا.
 ندرك جيدا أن الأمر كان يمكن أن تنجزه الأطراف السياسية الداخلية بالقليل من الثبات والنزاهة والصدق، لكن الأمل بات معقودا الآن على الخارج، وهو وحده على ما يبدو – للأسف –  من بيده حلحلة العقدة في هذا البلد الغارق في دوامة مرعبة .
 إذا أراد الأمريكان مساعدة اليمنيين بالفعل فهم يستطيعون تماما توجيه رسالة واضحة للطرفين بالرحيل، ولديهم ما يفعلونه بهذا الخصوص، فمصالح احمد علي وعائلته وعلي محسن ورجاله بالنسبة للطرفين أثمن من مواجهة تبعات عرقلة " الانتقال السلمي للسلطة" وخسارة ثروة نهبت على مدى أكثر من 3 عقود، ولن يستطيع أيا من الجانبين أن يتلكأ في ترك البلاد والمغادرة.
بالنسبة لجيش عانى عديد مشكلات مزمنة أشدها فتكا بناء ولاءاته، وتغلغل الفساد، فإن هيكلته ستستغرق وقتا طويلا،  لكن رحيل عائلة صالح ومحسن بمثابة الحل الاسعافي العاجل الذي لا يحتمل التأجيل، وبنفس القدر من الضغوط تستطيع واشنطن ضمان المرحلة اللاحقة من التلاعب.
إذا أخذنا في الاعتبار، التركيز الأمريكي على الأولويات الأمنية في الملف اليمني، فإن مصلحة واشنطن أولا، تقتضي العمل سريعا من اجل الإقالة الفورية لبقية عائلة صالح وعلى رأسهم احمد، واللواء علي محسن. من شأن ذلك أن يقوي سلطة عبدربه ويساعده في ردم الثغرات التي تتسلل منها مخاطر القاعدة، وتسهيل مهمته في التعامل مع الملفات الأخرى سيما ما يتعلق بالجنوب، الطرف المتردد في الحوار والمعني أكثر من غيره  بمشاهدة تغيير حقيقي في بنية السلطة التي قهرته في حرب 94م .
استمرار أمريكا في لعب ذات الدور المريب يضع مصداقيتها ودول الإقليم بشأن القضاء على الإرهاب على المحك، إذ لا يعقل أن تتمسك هذه الدول ببقاء نفس الأسباب التي ساعدت القاعدة على الانتشار والتوسع في بلد حيوي ومهم بالنسبة لمصالحها، ثم نصدق بأنها ترغب في رؤية هزيمة القاعدة أمرا ماثلا في اليمن .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق