الجمعة، 27 يونيو 2014

عندما يغرق العالم في كأس المتعة !


عبدالعزيز المجيدي


مع ذروة استدارة الزمن كل أربع سنوات ، يغدو "هلال" العالم كرة كاملة . لعبة مشوقة ومسلية تجتاح الدنيا فتتغير الأمور رأسا على عقب . عناصر الصراع التي تعتمدها وسائل الإعلام في معايير ترتيب أولوياتها الإخبارية، تنسحب آليا من خرائط وجغرافيا الدم والموت، لمصلحة عناوين صراع من نوع آخر، خلّاق وملهم ، يجعل العالم مشدوها إلى الأقدام عوض الوجوه اللئيمة. أمام هكذا حدث، تتراجع أنشطة وتصريحات حاكم اعتي قوة في التاريخ في لائحة الأخبار اليومية، فتصبح أقدام الشاب الماكر في مراقصة الدهشة ليونيل ميسي ، والذئب القناص البرتغالي رونالدو، أهم من كل ذلك الهراء القادم من البيت الأبيض في واشنطن أو من قصر الاليزيه في باريس أو من 10" داوننج ستريت" في لندن . حتى المستشارة الألمانية ميركل، بينما كانت تودع نصف انتباهتها على تماس الحدود الروسية الأوكرانية، كرست نصفها الأكبر لمتابعة ما الذي سيصنعه مسعود اوزيل وسامي خضيرة، وفيليب لام ورفاقهم لقوة ألمانيا الناعمة في عالم المستديرة الممتع.هي تطمع بالتأكيد بضم اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي وحلف النيتو، لكنها تريد أن تتأكد أيضا إذا ما كان بوسعها الحصول على فرصة تحقيق البطولة للمرة الرابعة، والتقاط صور تذكارية مع نجوم "المانشافت" صحبة الكأس !أما بان كي مون، فقد اكتشف أخيرا عدم جدوى العمل في ملهى كبير يدعى الأمم المتحدة على الأقل لبعض الوقت، فقرر ارتداء طقمه الرياضي، محاولا الفوز بربع انتباهه من تلك التي أغرمت الدنيا، بأيقونة البرازيل نيمار، أو الاسباني غير المحظوظ في البطولة ديفيد فيا، وربما تمنى أن تكون بقايا أنسجة كتف اللاعب الايطالي ، مازالت عالقة في فمه بدلا عن اللاعب الأرجواني سيزار .العالم يتغير كليا بمتوالية متصاعدة في هذه الدورة الزمنية المستمرة منذ أكثر من 80 عاما، لتغدو بطولة كأس العالم لكرة القدم، الحدث الأبرز في الكوكب . هناك ما يزيد عن 250 مليون نسمة يمارسون هذه اللعبة في أكثر من 200 دولة في العالم، ولأكثر من شهر يترك المشجعون متاعبهم، خلفهم، فينخرطون في نشوة عارمة تجتاح الكوكب باستثناء عالم الشرق الأوسط المروع . رغم ذلك، ووسط غزوات وضجيج حروب " داعش" و" داحش" هنا ، ما يزال الناس قادرون على المرح والتنويع على مباهج شتى تصاحب هذه اللعبة المحببة كما ينبغي . كان بإمكان شخص، هو شاب أيضا، كعبد الملك الحوثي أن يكون أقل عدوانية لو انه مارس لعبة كرة القدم في حياته. كان سيقرر على الأقل منح مقاتليه إجازة مؤقتة، احتراما لمزاجه الرياضي. بدلا من هذه الصور المرعبة القادمة من عمران ومحيط عمران، كنا سنشاهده مرتديا فانيلة منتخبه أو لاعبه المفضل، وعوض هذه الصور الرثة لمقاتليه الذين يستحقون التعاطف وهم يساقون إلى الموت ، تلبية لرغبات ونزوات "السيد"، كان يمكن الحصول على صور أفضل لحياة تستحق أن تعاش أمام شاشات التلفزة وأصواتهم تعلو ابتهاجا، بهدف أو تمريرة ذكية أو فاصل مهارات خلاّب، بدلا من صرخة الموت التي تقتلهم قبل غيرهم . ولو كان الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر وعائلته، شيدواملعبا في عمران مثلا، أو ميدانا صغيرا لأطفال الخمري، لما أمكن للحوثي أن يبدو في صورة "المخلّص" بالنسبة لناس ومنطقة سلّمها " المشيخ " للحوثي كما استلمها من الإمام بعد 62، تفتقد لأبسط متطلبات الحياة العادية.لا شك أن العالم مدين لذلك المجهول الذي جعل الكرة شغفا يهيمن على كل بقعة منه . ربما تستحق أمة كالصين التحية في هذا الصدد، فبعض المصادر التاريخية تقول إنها بلد المنشأ لفكرة الكرة التي ركلها إنسان، أول مرة قبل 2500 سنة قبل الميلاد . لكن الكرة، كلُعبة كماهي عليها الآن، مدينة بدرجة رئيسية للمملكة المتحدة التي قذفت الكرة إلى أصقاع الدنيا، بدءا من العام 1863م . قصة الكرة منذ النشأة لربما انطوت على شيئ من الرمزية في تقديري الشخصي، ولا احد ملزم بهذا الافتراض . فكروية الأرض هي الملهمة لفكرة صناعة شيئ يشبهها من الجلد، ليستمتع الإنسان بركلها. أظنها فكرة جيدة للنيل من المتاعب والشرور التي أنهكت الإنسان منذ وعى نفسه كمخلوق على هذا الكوكب. ماذا لو كانت اللعبة تجري بأكثر من كرة ؟ ستفقد " الأرض " متعة التنافس ، ومتعة البحث عن فرصة وحيدة تتقاذفها الأقدام، وتزداد الإثارة، كلما كان على أحدنا، عندما تستقر في شباكه، أن يخوض التحدي ليسكنها في شباك الآخر، ضمن جولات صراع لذيذ لا ينتهي.غير التسلية،وممارسة رياضة صحية، عملت هذه اللعبة الأكثر شعبية في العالم، على إشاعة السلام بين الشعوب والدول ، وأحيانا كان عليها أن تعثر للمتحاربين على مخرج إلى السلام. حدث ذلك بالفعل عندما أشعل السياسيون حربا في ساحل العاج، فقاد نجوم المنتخب عام 2006 مبادرة لإطفائها. خاضوا مباراة في البلدات التي سيطر عليها المتمردون، ودفعوا بممثلين للطرفين إلى إلقاء السلاح، وعوض القتال، نزل ممثلون عن الجانبين وأفرغوا كل شحنات الكراهية على الكرة، ونجت ساحل العاج في النهاية من حرب أهلية .نحتاج في اليمن إلى دفع المتحاربين في عمران ومحيط صنعاء إلى إلقاء السلاح وإرساء سلام يحقن دماء قد تصبح انهارا ، علينا أن ننظم مباراة كروية بين المتقاتلين، الفائز فيها تنحر له الولائم، والخاسر يجلد كما كان عليه الحال في أول ممارسة للعبة ، قديما لدى الصينيين. لا بأس إن بدأنا من الطور الأول للعبة ، المهم أن نبدأ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق