الاثنين، 9 نوفمبر 2009

هل بدأ عصر القاعدة في اليمن؟

عبد العزيز المجيدي

أعادت «القاعدة» التذكير بنفسها كتنظيم نشط في البلاد بهجوم دموي أسفر عن مصرع 5 أشخاص بينهم 3 من القيادات الأمنية بحضرموت.
وإلى المواقع القيادية للضحايا فإن أخطر ما في الهجوم هو الزمن الذي اختاره التنظيم، حيث تغرق البلاد الآن في مزيج معقد من المشاكل والأزمات. ففي الشمال تتجه المواجهات الدائرة في صعدة بين الجيش والحوثيين منذ نحو 3 أشهر إلى طور جيد من الصراع بدخول السعودية طرفاً مباشراً في الحرب، بينما تتنامى المطالب بالانفصال في المحافظات الجنوبية وسط أوضاع اقتصادية صعبة تشهدها البلاد انعكاساً للفشل الذريع في إدارة البلد.
الأسبوع الفائت باغت «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» السلطات بعملية نوعية من حيث تشك.


ففي منطقة العبر الحدودية حيث تعتقد السلطات الأمنية أنه المكان المفضل لنشاط عناصر القاعدة، سدد «التنظيم» ضربة قاسية للأجهزة الأمنية بكمين استهدف موكباً رسمياً كان عائداً للتو من منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية من جهة الشرق.
بحسب ما أعلنته السلطات فقد فتح مسلحون النار، الثلاثاء الفائت، على سيارتين لمسؤولين أمنيين في منطقة خشم العين بالعبر، ما أدى إلى اصطدامها بإحدى القاطرات المارة، حيث احترقت نهائياً وتفحمت جثث الضحايا.
وكانت الحصيلة شديدة الوطأة، فقد قُتل مدير الأمن السياسي بسيئون أحمد باوزير، ومدير عام الأمن بوادي حضرموت علي سالم العامري، ونائب مدير أمن مديرية القطن، بالإضافة إلى 2 من مرافقيهم.
وكان المهاجمون قبل تنفيذ العملية استولوا على سيارة لمدير عام مكتب الصحة، وبعد الهجوم فروا على متنها صوب صحراء مترامية.
بعد ساعات من الهجوم كانت مصادر أمنية ترجح وقوف القاعدة وراء العملية «لأن عناصر القاعدة تنشط في المنطقة التي نصب فيها الكمين».
وبعد أقل من يومين أعلن «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» مسؤوليته عن الهجوم، وقال في بيان نشر على الانترنت الخميس إن العملية تأتي «نصراً لإخواننا الأسرى في سجون حضرموت وصنعاء وغيرها وانتقاماً من كل من تسول له نفسه النيل من المجاهدين».
خلال الأعوام الماضية، شن التنظيم هجمات استهدفت في معظمها سياحاً أجانب وسفارات وأحياناً مصالح حكومية.
وباستثناء مهاجمة مقر سري لجهاز الأمن السياسي بصنعاء قبل سنوات، واغتيال مدير المباحث بمحافظة مأرب في مايو 2007، فقد تجنبت القاعدة وضع المسؤولين الأمنيين الحكوميين ضمن قائمة المستهدفين بعملياتها في اليمن.
ومنذ نحو 3 أعوام شنت القاعدة ما يزيد عن 6 عمليات استهدفت 4 منها سياحاً أجانب وهجومين السفارة الأمريكية بصنعاء، وهجوم واحد مجمعاً أمنياً بحضرموت.
في يوليو 2007، فجر انتحاري سيارة مفخخة في فوج سياحي إسباني بمأرب، أدى إلى مصرع 8 إسبان وسائقين يمنيين وجرح 12 آخرين.
وشهد العام 2008 أكثر الهجمات دموية، ففي يونيو هاجم مسلحون فوجاً سياحياً من الجنسية البلجيكية في وادي دوعن بحضرموت، مكوناً من 15 شخصاً، فقتلوا امرأتين و2 من مرافقي الفوج.
وفي يوليو نفذ التنظيم عملية استهدفت معسكراً للأمن المركزي بسيئون بتفجير سيارة مفخخة، ما أدى إلى مصرع وجرح 20 شخصاً على الأقل.
وفي هجوم آخر يعتقد أنه كان يستهدف السفارة الأمريكية، جرح نحو 18 من طالبات مدرسة 7 يوليو المجاورة للسفارة.
وعلى الرغم من أن بعض المصادر عزت سبب الاعتداء إلى خلاف شخصي بين مديرة المدرسة وأحد المهاجمين، فقد ذهبت التفسيرات إلى الاعتقاد بأن الهجوم الذي استخدم فيه قذائف «آر بي جي» كان يستهدف السفارة وأخطأ الهدف.
وسرعان ما عادت القاعدة لتسجل هجوماً جديداً استهدف مباشرة مبنى سفارة واشنطن بصنعاء في 17 سبتمبر من نفس العام، قتل 18 شخصاً بينهم مدنيون كانوا يمرون بجوار السفارة.
ونهاية مارس 2009، فجر انتحاري نفسه في فوج سياحي كوري جنوبي في شبام بمحافظة حضرموت، أدى إلى مقتل 4 سياح ويمني، وبعد 3 أيام فقط نجا فريق تحقيق كوري جنوبي وعدد من عائلات ضحايا هجوم شبام من هجوم انتحاري استهدف موكبهم في طريق المطار بصنعاء.
لكن الصولة رغم ذلك لم تكن خالصة للقاعدة، فبعد اغتيال مدير مباحث مأرب بشهرين قتلت حملة أمنية 4 من عناصر القاعدة بينهم واحد من أهم المطلوبين، ويدعى قاسم الريمي المكنى بأبى هريرة الصنعاني، حسب إعلان مصادر وزارة الداخلية، قبل أن تعود نهاية 2008، لتقول بأن الريمي ما يزال من أهم المطلوبين للسلطات الأمنية.
من ضمن 23 فروا من سجن الأمن السياسي في فبراير 2006، فإن هناك 10 من عناصر القاعدة قالت السلطات إنهم سلموا أنفسهم و5 آخرين قتلوا بينهم فواز الربيعي الذي قتلته قوات الأمن في أكتوبر 2006 مع أحد مساعديه، وحمزة القعيطي الذي قتل مع 4 من رفاقه في مواجهة مع قوات الأمن في ما يعرف بخلية تريم في أغسطس 2008.
لكن 3 من الفارين أبرزهم ناصر الوحيشي أمين التنظيم، وقاسم الريمي، مازالوا طلقاء، لكن تقارير غربية ظلت تشير إلى وجود اختراق لأجهزة الأمن وسط تشكيك بأن الإجراءات الحكومية حيال القاعدة لم تمس «اللاعبين الكبار»، وأن الذين طالتهم الإجراءات هم من طبقات دنيا في المجتمع «الذين ربما كانوا متورطين أو ربما لم يتورطوا في هجمات إرهابية».
ومع تزايد الاضطرابات الناجمة عن الاحتجاجات المستمرة في المحافظات الجنوبية للمطالبة بالانفصال بسبب التهميش والإقصاء، بالتزامن مع حروب متقطعة في الشمال بين الحوثيين والجيش، ارتفعت نبرة الخوف من تدهور الأوضاع في اليمن ووصولها إلى مرحلة الفشل.
بيد أن أكثر ما يثير قلق العالم هو أن تصبح اليمن مكاناً ملائماً لنشاط القاعدة على نحو يمكنها من استخدام الأراضي اليمنية منطلقاً لتنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية في المنطقة خصوصاً المصدر الأول للنفط في العالم: السعودية.
ومطلع 2009؛ كانت تقارير غربية تتحدث عن معلومات استخبارية تشير إلى أن اليمن أصبحت وجهة مثالية لعناصر القاعدة القادمين من أفغانستان والعراق بعد تضييق الخناق عليهم هناك، وهو ما نفته اليمن، واعتبر وزير الخارجية حينها أبو بكر القربي هذا الأمر «مبالغاً فيه».
وبعد أيام فقط، أي في نهاية يناير، خرج ناصر الوحيشي المكنى بأبى بصير، بإعلان صاعق: دمج جناحي القاعدة في السعودية واليمن في تنظم واحد تحت مسمى «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، وأعلن الوحيشي أميناً لقاعدة الجزيرة التي اتخذت من اليمن مقراً لها، وعين سعيد الشهري السعودي العائد من غوانتنامو نائباً له.
حينئذ ظهر الوحيشي والشهري في تسجيل فيديو وهما يتوعدان باستهداف المصالح الغربية ومعها من سموهم «الحكام الخونة»، بينما أظهر الفيديو عناصر التنظيم في معسكرات تدريب في مناطق يمنية.
ويبدو أن التنظيم قد تعرض وقتها لعملية استخبارية كان بطلها السعودي محمد العوفي الذي ظهر إلى جانب الوحيشي والشهري في الشريط المصور، وأسندت إليه مهمة القيادة الميدانية للتنظيم الموحد. فبعد أقل من شهر فقط أعلنت السلطات السعودية أن العوفي سلم نفسه للأجهزة الأمنية، وخلافاً لظهوره السابق كقائد ميداني ظهر العوفي على شاشة التليفزيون السعودي متحدثاً عن تنسيق بين جماعة الحوثي والقاعدة بدا متسقاً مع رغبة سياسية تغلي في الرياض وصنعاء. لكن العالم أخذ يرقب باهتمام أكبر مآلات البلد المضطرب.
وبعد سنوات من النظر إلى السعودية كمصدر للأفكار المتطرفة والمتشددين عقب أحداث 11 سبتمبر، تغير الأمر على نحو جذري، وباتت السعودية صاحبة سجل «مميز» في مكافحة الإرهاب، حيث انتهت المواجهة مع عناصر القاعدة بنزوح الأخيرين إلى اليمن كموئل لمشاكل الجيران.
في أغسطس الفائت انتهت أول محاولة لاستهداف مسؤول كبير من الأسرة الحاكمة في السعودية بمقتل منفذ العملية وإصابة مساعد وزير الداخلية السعودي بجروح طفيفة حد ما أعلنته السلطات السعودية، ولحق به هجوم آخر استهدف القصر الجمهوري بمأرب، وكان بداخله عمار محمد عبدالله صالح وكيل جهاز الأمن القومي.
وكان منفذ الهجوم ضد الأمير محمد بن نائف المسؤول السعودي الذي قاد حملة مكافحة القاعدة في السعودية بنظر الغرب، قدم من اليمن. فتصاعدت المخاوف مجدداً من أن تصبح اليمن منطلقاً لهجمات القاعدة للجوار.
باندلاع المواجهات بين الحوثيين والجيش السعودي في المناطق الحدودية بين اليمن والمملكة، يرقب العالم مآلات الصراع. وإذ يشعر بشيء من الاطمئنان لبعد المواجهات عن مناطق إنتاج النفط السعودي، هناك خشية من أن تكون القاعدة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها، حيث تنضج الظروف أكثر لمصلحة شن هجماتها «المقدسة» على شلالات النفط.
لدى صحيفة "لوموند" الفرنسية شكوك حيال ما قد تسفر عنه المواجهات في صعدة، وتتوقع أن «يستغل تنظيم القاعدة الأوضاع في اليمن لتنفيذ بعض الهجمات على السعودية» ربما تكون أفضل مراحل التنظيم قد بدأت حقاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق